تداركوها قبل فوات الفوت

ت + ت - الحجم الطبيعي

"إسهام الإعلام وتعاونه مهم لرصد الهفوات ومواضع النقص إن وجدت، والتنبيه إليها، ليتم تعديل أية أوجه للقصور، وهذا ما ننتظره منكم". كانت هذه الكلمات هي رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، التي وجهها إلى كل الإعلاميين، لأن رسالة الإعلام مهمة وتسخيرها لخدمة الشعب هو ما يطلبه سموه دائماً، فالغاية لم تعد فقط إرضاءهم، بل بلغت الوصول إلى سعادتهم.

أوضح الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، في كلمته، التي هزت أركان القاعة في القمة الحكومية، أن الفرق بين الرضى والسعادة كبير، فالرضى مؤقت ومداه قصير، ولكن طلب السعادة دائم ومستمر. الرضى هو أن يقبل الشخص بالقليل ليصل إلى مرحلة القناعة، ولكن السعادة تمثل السعي الدؤوب لتجاوز التوقعات، التي إن طلتها مرة فعليك أن تستمر في خلق مبادرات جديدة لتتفوق، ولتبلغ المرحلة المقبلة.

رحلة السعادة بلا خط نهاية، وللوصول إليها سخرت دولة الإمارات الكثير من الوسائل، وأطلقت حزمة من المبادرات، التي جعلتها تتبوأ المركز الأول في سعادة الشعب، ولكن ماذا عن سعادة الموظف الذي له دور فاعل في سباق التميز والبناء لدولتنا الحبيبة؟ كثيرون لديهم قدرة على العمل والمساهمة، ولكنهم يوضعون على الرف، حالهم حال تلك الكتب، التي تزين مكتبات بعض المسؤولين، ولا غرض لها سوى أن تجمع الغبار، ولتوحي بأن أصحابها يفقهون في كل القيم والسلوكات الفاضلة المذكورة فيها.

الإعلاميون لهم دور مهم وحساس في ترجمة ما يمر به المواطنون، خاصة أنهم وسيلة للوصل بين الحكومة والشعب، والإعلامي يجب أن يسخر قلمه لكل من لا قلم له. سعدت كثيراً للتفاعل الذي لقيته في مقالي الأخير حول أوضاع بعض المؤسسات، وخاصة التي تتبع أساليب ملتوية للتخلص من بعض المواطنين. التفاعل الكثيف أثبت أننا تطرقنا إلى موضوع يلامس جراح الكثيرين، ولكن المحزن فيه أنه دلالة على أن قضية تهميش وتطفيش وتفنيش المواطنين واقع نعيشه، وأنها ظاهرة متفشية والضحايا لا يزالون يعانون ظلماً أو اضطهاداً في مؤسسات مختلفة، وفي قطاعات متنوعة.

مجموعة كبيرة تعيش في بيئة تخلو من الأمانة الوظيفية، ولكن يقع اللوم على بعضهم لسكوتهم عن المظلمة. السكوت يولد بيئة تحتضن هذه السلوكات النافرة، وتجعل المسؤول الظالم يتمادى في ظلمه. لن أدعي أنني أملك الحلول لكل الإشكاليات التي يعانيها الموظفون، ولكن ما أستطيع إفادة البعض منكم به، هو بعض الأساسيات التي قد تسهم في تحسين حالاتهم.

يرتكب بعض الموظفين خطأ فادحاً لعدم درايتهم بحقوقهم المدنية أو بقوانين العمل، فالخطوة الأولى يجب أن تتمحور حول تثقيف النفس في ذلك الشأن. المعرفة قوة لا يمكن الاستهانة بها، وعندما يملكها الموظف يصعب على مسؤول الموارد البشرية أو غيره التلاعب والتحايل. القانون لا يحمي المغفلين، خاصة الذين يتغافلون عن فهم حقوقهم.

الخطوة الثانية هي أن يعرف الموظف ما له وما عليه من واجبات ومسؤوليات، وذلك بتوفر توصيف وظيفي وأهداف واضحة وخطة تطويرية. التوصيف الوظيفي، هو تلخيص لكل ما هو مطلوب من الموظف ليؤدي وظيفته على أكمل وجه.

الأهداف الواضحة هي شرح مفصل للمهام، التي يتوجب على الموظف القيام بها، ويجب أن تتم دورياً مراجعة الأهداف مع المسؤول المباشر، لمعرفة مواضع النقص والتقصير في الأداء على مدار العام، أما الخطة التطويرية فهي خطة عمل لمستقبل الموظف الوظيفي، تأخذه من الوظيفة التي يشغلها إلى الوظيفة التي تليها، وهي خطة يفتقر إليها معظم المؤسسات.

هذه المعلومات أساسية لكل موظف، ويجب إعدادها من قبل مسؤول الموارد البشرية والمسؤول المباشر. وعند غياب هذه المعلومات، يكون الموظف تائهاً، ويتم تقييمه سنوياً في غياب المصداقية والعدل، وبالاعتماد على شخصية المسؤول ومزاجه في يوم التقييم.

الخطوة الثالثة هي أن يقوم الموظف بتوثيق الأحداث التي تمر عليه بالوسائل المتاحة، فكثير من المواقف يحدث عندما يواجه الموظف معضلة، ولا يستطيع الدفاع عن نفسه بسبب غياب الأدلة. والحل في هذه الحالة مثلاً، في أن يرسل الموظف رسالة إلكترونية إلى المسؤول، ليوثق فيها مجريات الأمور، ويلخص الأوامر التي تصله أو الاتفاقات الشفهية التي يتم اعتمادها.

وأخيراً، البحث عن المشورة القانونية، التي ستسعفهم بالحلول المناسبة في الوقت المناسب، وليس فقط حين تتفاقم المشكلة فـ"بعد فوات الفوت، ما ينفع الصوت". مبادرتكم بطلب المشورة القانونية دليل على أنكم حاولتم جاهدين تحسين أحوالكم، ولم تقفوا مكتوفي الأيدي في انتظار الفرج. يجب على الموظف الجاد ألا يقصر في حق نفسه، فيسكت عن المظلمة، بل يواجهها ليس لخلق المشكلات، بل لأنها واجب عليه، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

في لقاء القمة الحكومية، وجه سمو الشيخ سيف بن زايد وزير الداخلية، كلمة إلى الوزراء أورد فيها: "إذا لم تكن وزيراً استثنائياً فلن تستطيع الاستمرار والصمود في هذه الحكومة"، فإذا كانت قيادتنا الاستثنائية تتبع هذا النهج، فمن الواجب أن تكون كل صفوف المسؤولين متوحدة وقائمة على نفس الفكر، ومن يخالف ذلك لا مكان له في مؤسساتنا.

الحكومة وضعت نصب عينيها راحة المواطن، وكررت مراراً أنه الأولوية، وبما أن هذه هي مطالب قيادتنا الرشيدة، فعلى المسؤولين اتباعها، فهذه هي توجهات حكومة دولة الإمارات الاستثنائية. في نشيدنا الوطني نقسم على أن نبني ونعمل ونخلص ليوم مماتنا، فالمسؤولون حالهم حال الجندي الذي أدى قسماً بأن يكون مخلصاً للوطن مدافعاً عن مكتسباته، وفي حالة المسؤول يكون الإخلاص بالعمل والوفاء في أداء الوظيفة، وبالسعي نحو المحافظة على الموظف المجتهد والمبدع، وفي خلق البيئة الصحية ليؤدي الجميع عمله بكفاءة.

هذا ما تسعى إليه قيادتنا، ومن يتبع خطى غير خطى القيادة يكون قد خان الأمانة، فالعمل للوطن ولسموه، وليس للحفاظ على المنصب والكرسي. عندما طلب سيدي الشيخ محمد بن راشد أن نرصد الهفوات بهدف تحسين الخدمات المقدمة للمواطن، نؤكد أننا كوننا إعلاميين نفعل ذلك لأن الإمارات غالية، فنكتب من باب الوطنية، ولغرض التقويم، فالوطن وطننا، والمؤسسات لخدمتنا، ونحن الأولى بقيادة عجلتها، والأولى بالمساهمة في رفعتها.

Email