هل تجد إدارة باراك أوباما نفسها في مأزق شديد الخطورة والوعورة، بعد أن أعلنت الحكومة المصرية أن جماعة الإخوان المسلمين إرهابية؟ ومن هي الجماعة الإرهابية؟ إنها تلك التي تبث الرعب في نفوس الناس، وتحرض على العنف وقتل أفراد الشعب، وتعمل على تدمير المنشآت العامة والخاصة، ولا تقيم وزناً لمصالح الوطن العليا، وسلامة ووحدة أراضيه، وتماسك نسيجه الاجتماعي.

هل ما تقدم يتوافر في جماعة الإخوان؟ بل أزيد من ذلك في واقع الحال، ذلك أن ما جرى خلال الأشهر الماضية من عنف ممنهج، لم يكن إلا آخر تجليات الإرهاب الإخواني المنتشر في مصر منذ ثمانية عقود، وعليه كان قرار إدراج الإخوان على لائحة الجماعات الإرهابية، أمراً بديهياً حتى يبرأ الجسد المصري.

وعودة إلى السؤال مفتتح هذا المقال، والبحث عن المأزق الأميركاني من جراء التوصيف الإخواني الأخير، حيث نجد قمة الازدواجية الأخلاقية الأميركية المعهودة في المشهد.. كيف ذلك؟

النفاق الأميركي، الذي يغطي ويحاول أن يخفي العلاقات التحتية بين الأميركان والإخوان، تجلي في التصريحات التي صدرت عن إدارة أوباما في هذا الشأن، حيث أشارت إلى أنها لا تدرس أو تناقش احتمال تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية.

مسؤول أميركي كبير قال إن إدارة الرئيس الأميركي لن تقترب حتى من مناقشة احتمال تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، وأن الإدارة الأميركية تعتقد أن الحكومة المصرية تذهب إلى مدى بعيد جداً في حملتها الحالية على الإخوان.

قبل السؤال المشار إليه، كانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر ساكي تحاول إبعاد التهمة عن الإخوان، من خلال الربط بين البيان الوهمي للإخوان الذي أدان حادثة تفجير مديرية الأمن في محافظة الدقهلية، وبين كون الجماعة موصومة بذات الفعل، وهو الأمر الذي لم ينطل على الجميع.

أما جون كيري وزير الخارجية الأميركية، فقد اكتفى بالإعراب عن قلقه إزاء قرار الحكومة المصرية إعلان الإخوان جماعة إرهابية، واستمرار حملات الاعتقال وملاحقة أعضاء التنظيم.

أما العجيب والغريب في موقف كيري، فهو سؤاله لوزير الخارجية المصري نبيل فهمي عبر الهاتف عن جماعة "بيت المقدس"، ومدى علاقتها بالقاعدة، أو بالإخوان، وكأن واشنطن وأجهزتها الاستخبارية الستة عشر التي ترصد دبيب النمل حول العالم، لا تعرف من هم، ولا ترصد اتصالاتهم، ولا فكرة لديها عن ارتباطاتهم بجماعة الإسلام السياسي الأم في العالم العربي، أي الإخوان المسلمين في مصر!

ازدواجية أميركا ومأزقها القاتل، يتضح في كلمة الرئيس أوباما الأخيرة التي صرح بها بعد أن وقع القانون السنوي للإنفاق الدفاعي، إذ اعتبر أن "محاكمة الإرهابيين المزعومين أمام القضاء الاتحادي الأميركي، هي أداة مشروعة وفعالة وقوية في جهودنا لحماية بلادنا".

هل حماية غير الأميركيين لأوطانهم خطيئة وحماية أوباما لمواطنيه حلال مطلق؟

يدرك القاصي والداني أن هناك ما ورائيات يخشى أوباما أن تظهر إلى السطح كلما ضاق الخناق على جماعة الإخوان في مصر، ولهذا فإنه من الطبيعي أن ترفض إدارته وضعهم على قائمة الإرهاب، لأن النتيجة الطبيعية فيما بعد، ستكون وصم إدارته بأنها إدارة راعية للإرهاب بالفعل.

هل من تأكيدات لهذا الحديث؟ فليقرأ القارئ ما كتبه مؤخراً الكاتب الأميركي الشهير "روبرت سبنسر"، ونشرته مجلة "فرونت بيدج" الأميركية عن أوباما، بوصفه "ممثل ومندوب الإخوان الأول في البيت الأبيض".. هل يعقل هذا الوصف؟ العديد من المشاهد في حقيقة الحال باتت تؤكد ذلك، وإن لم يكن الأمر قد لفت الأنظار أو تسربت عنه الأخبار في حينه.

فعلى سبيل المثال وقبل زيارته لمصر في يونيو 2009، وعندما كانت جماعة الإخوان محظورة، التقي أوباما مع قادتها سراً في واشنطن، وأبلغ المصريين أنه يريد التأكد من دعوة قادة الجماعة لحضور خطابه الشهير للعالم الإسلامي في القاهرة.

ترفض إدارة أوباما وصف الإخوان بالجماعة الإرهابية، لا سيما وأنها قد سهلت لهم الدخول والاستضافة في وزارة الخارجية الأميركية وفي البيت الأبيض مراراً وتكراراً، وقد رفضت هيلاري كلينتون توفير معلومات للأميركيين حول الطريقة التي أصدرت بها تأشيرة دخول الأراضي الأميركية، لعضو في الجماعة الإسلامية التي تعتبرها واشنطن منظمة إرهابية!

هل العنف والفوضى التي تتسبب فيها الجماعة في مصر، وبقية فصائل الإسلام السياسي، والقاعدي، وغيرها من عرائس المسرح التي تحركها واشنطن، مفيد لأميركا بشكل أو بآخر؟ وهل يعقل ذلك؟

"روبرت كابلان"، وهو أحد فريق كتاب المحافظين الجدد والمحلل الاستراتيجي في مؤسسة ستراتفور الأميركية، الوجه المدني للمخابرات المركزية الأميركية، كتب في أغسطس الماضي عبر مجلة "أتلانتيك مونثلي" الأميركية، متسائلاً "ماذا لو لم تكن فوضى الشرق الأوسط سيئة بقدر ما يخيل إلينا، من منظار المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة الأميركية؟".

وخلاصة مقاله الطويل، أن هناك درجة ما من الاستفادة الأميركية من بقاء العنف مشتعلاً، وأنه طالما لم يقترب العنف من إسرائيل، أو إمدادات النفط من الخليج وعبر قناة السويس، فإن قليلاً أو كثيراً من العنف قد يكون مفيداً لأميركا المنشغلة بالتوجه والاستدارة شرقاً نحو آسيا، كي تعيد كتابة وتخطيط "مجال القوة الأعظم" الذي تحدث عنه جورج كينان، منظر السياسة الأميركية الأشهر بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى الساعة.

ثم ماذا؟ لن يبقى أوباما وإدارته أبد الدهر على رأس الشعب الأميركي، وستتكشف ولا شك فضائح إدارته، وعليه يتوجب على مصر والمصريين اتخاذ سبل الحكمة في مخاطبة الشعب الأميركي وإعلامه ومؤسساته، لفضح الزيف الحكومي، وليت هذا الخطاب يكون موثقاً بالصوت والصورة والأدوات المادية الملموسة، التي تتفهمها المجتمعات الغربية، ما يثبت بالفعل إرهابية تلك الجماعة، بالأدلة الدامغة التي لا يرفضها العقل أو العدل.