قرضاي يتحدى واشنطن ويضر بأفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس العدو الأكثر خطورة بالنسبة إلى الشعب الأفغاني حركة طالبان، ولا باكستان، أو حتى جماعة القاعدة. بل هو رئيسهم حامد قرضاي.

حيث توجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى كابول، أخيراً، وأمضى أكثر من 24 ساعة مع حامد قرضاي، في محاولة لإيجاد اتفاق من شأنه السماح ببقاء وحدات متواضعة من القوات الأميركية في أفغانستان بعد عام 2014، من أجل الاستمرار في حماية الأفغان من أعدائهم.

وقال الرجلان إنهما توصلا إلى اتفاق يتعلق بالعديد من القضايا المهمة. إلا أن الاتفاق يظل متوقفاً على نقطة أساسية واحدة، وهي إصرار الرئيس الأفغاني حامد قرضاي على أن تتم محاكمة الجنود الأميركيين المتهمين بارتكاب جرائم في المحاكم الأفغانية. وأوضح جون كيري أن أميركا لن تقبل بهذا الأمر، كما أنه لا ينبغي عليها الموافقة على ذلك.

وقرضاي على علم بذلك مسبقاً.

ولكن كيف يجعل ذلك الخلاف من قرضاي ألد أعداء أفغانستان؟ قبل كل شيء، إنه يعلم جيداً أن ما يتراوح ما بين 80% إلى 90% من إيرادات ميزانية أفغانستان السنوية عبارة عن مساعدات خارجية من أميركا، ودول حلف شمال الأطلسي الأخرى.

ولا تنتج أفغانستان تقريباً أي شيء ذي قيمة، باستثناء الخشخاش، الذي يستخدم لصناعة 90% من الهيروين في العالم. إلا أن إيرادات ذلك تذهب لتجار المخدرات، وتدفع العشور لحركة طالبان. ولا يساهم دولار واحد في الميزانية.

لذلك عندما تغادر أميركا وحلف شمال الأطلسي أفغانستان، وتتوقفان عن تقديم المساعدات الوفيرة، سينهار الاقتصاد الأفغاني. وعلى الرغم من خطورة هذا الاحتمال إلا أنه ليس المشكلة الوحيدة.

فأخيراً، أصدر الملا محمد عمر، زعيم جماعة طالبان، تحذيراً يقول إن قواته ستواصل الهجمات العدوانية إذا ما واصلت القوات الغربية بقاءها بعد الموعد المحدد للانسحاب خلال العام المقبل.

وتذكر الأمم المتحدة أن أكثر من نصف مليون أفغاني قد تخلوا، بالفعل، عن منازلهم، مزارعهم، بساتينهم، أو أعمالهم خلال الأشهر الأخيرة. وهم يفرون إلى ضواحي كابول، أو إلى دول أخرى - ومن شبه المؤكد أن تعود حركة طالبان.

وعلى الرغم من كل ذلك، يبدو أن قرضاي يَعْدِلُ عن نقطة واحدة، على الأقل، كان قد اتفق عليها سابقاً مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري.

ففي خطاب إذاعي أخيراً، قال الرئيس الأفغاني إن "مطالبنا" تتضمن إنهاء "عمليات القوات الأجنبية العسكرية أحادية الجانب"، وهي نقطة أساسية قيل إنها قد تمت تسويتها. حيث ترغب أميركا بالمحافظة على سلطة مهاجمة أي مواقع تابعة لجماعة القاعدة، قد تجدها القوات العسكرية.

أما بالنسبة لنقطة الخلاف المتبقية، وهي الولاية القانونية للجنود الأميركيين المتهمين بالجرائم، فقد قال قرضاي لجون كيري إنه سيعقد اجتماع لزعماء القبائل، يتم اختيارهم من قبل قرضاي، بغية تقرير ذلك.

وأشار الرئيس الأفغاني إلى أنه يعتقد بأنه يتوجب على الحكومة المقبلة تقرير ما إذا كانت ستوافق على الاتفاق. ومن المفترض أن تتولى - الحكومة المقبلة - السلطة خلال شهر إبريل المقبل. غير أن أميركا تقول إنها بحاجة لجواب خلال هذه الأيام.

ماذا لو أصر زعماء القبائل، أو الحكومة المقبلة، كما فعل حامد قرضاي، على أن تتم محاكمة الأميركيين المتهمين بارتكاب جرائم في المحاكم الأفغانية؟ ذكر كيري أنه "يصر" على محاكمتهم في المحاكم الأميركية، مضيفاً إن "لدى الزعماء الأفغان خياراً، وهو إما إبقاء الحال على ما هو عليه، أو لن تكون هنالك أي قوات من أي نوع هناك".

ولا عجب في ذلك فقد وجدت دراسة لمنظمة "الشفافية الدولية"أن الشرطة والمحاكم هي المؤسسات الأكثر فساداً في أفغانستان، التي حققت المركز الأخير في أكبر استطلاع للشفافية بشأن الدول الفاسدة حول العالم. ووجد التقرير أن 65% من الأفغان الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم قد دفعوا رشوة للقضاء، مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي.

وبطبيعة الحال رفضت الحكومة الأفغانية التقرير. إلا أن عزيز الله لودين، رئيس المكتب الأعلى للرقابة ومكافحة الفساد، صرح لمحطة التلفزيون الأفغاني "تولو نيوز" "أنه يستطيع القول إن الفساد موجود في النظام القضائي الأفغاني لدرجة أنه إذا أخذ أحدهم قطتك، وعزمت اللجوء للقضاء من أجل استعادتها، فسيتوجب عليك آنذاك التخلي عن بقرتك من أجل استعادة القطة".

سيكون الرئيس الأفغاني واجتماع "لويا جيرغا"، الذي اختاره بدقة، حمقى إذا رفضوا عرض أميركا، حيث سيحكمون على البلد وشعبه بمواجهة مصير فظيع يفوق التصور.

 

Email