رأس المال الفكري الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الأدبيات الحديثة في عمليات التنمية التي يجب أن تهتم بها الدول العربية وتضعها في الاعتبار ما يتعلق برأس المال الفكري الوطني.

ويحاول هذا المفهوم تجاوز التحليلات الاقتصادية الأوروبية التي تركز على الجوانب المادية فقط في منظوراتها التنموية مثل الجوانب المالية والإصلاحات البنيوية وجلب الاستثمارات متجاهلة العوامل الأخرى غير الملموسة التي ينطوي عليها المفهوم.

وتكمن مشكلة هذه النوعية من رأس المال أنها غير ملموسة وغير مُدركة وغامضة.

ويتعلق رأس المال الفكري الوطني بالموجودات غير المنظورة المتصلة برأس المال البشري ورأس المال السوقي ورأس المال الهيكلي ورأس المال المتجدد ورأس المال المرتبط بالعمليات الاقتصادية المختلفة. وهو رأسمال محوري فيما يُسمى بالاقتصاد المعرفي الكوني المعاصر وما يرتبط به من بحوث وتنمية وتكنولوجيا واتصالات وألعاب وفنون وموسيقى وأفلام.

إن أهمية رأس المال الفكري الوطني تكمن في أنه أصبح الوسيلة الحديثة والأكثر أهمية في قيادة التنمية في مجتمع المعلومات الحديث. وتُعتبر تايوان نموذجاً مثالياً للمجتمع القائم على اقتصاد المعرفة Knowledge Society، فهي لا تمتلك وفرة من الموارد الطبيعية، ولكن يكمن رأس المال الخاص بها في الابتكارات وارتفاع مستوى التعليم. ومن ثم يمكن القول بأنها تستثمر بشكل كبير في رأس المال البشري الذي يعتبر أحد العناصر الهامة المشكلة لرأس المال الفكري الوطني.

ويتم التركيز على رأس المال الفكري الوطني من خلال الحصول على المزيد من الابتكارات والتشجيع على تغيير العقلية المجتمعية نحو إنجاز المزيد من الاختراعات المختلفة. وعلى الرغم من انتشار الاهتمام بالمعرفة والابتكارات كونياً إلا أن هذه المؤشرات غير الملموسة لم يتم استخدامها على نطاق كوني واسع، حيث توجد مسافة بين التركيز على هذه الجوانب والاهتمام بها نظرياً وبين البدء في استخدامها عملياً والتعامل معها من خلال القدرة على رصدها ومن ثم قياسها في العملية التنموية.

ففي الماضي كانت المصانع والأصول المادية الأخرى يسهل قياسها كمياً وتقديرها مالياً، أما الآن فالمسألة اختلفت في ضوء ظهور مجموعة من القيم غير الملموسة المحفزة للإنتاج والتطور على عكس التطور الصناعي الأوروبي التقليدي.

ومن اللافت للنظر هنا أن فقدان التجديد والابتكار الاجتماعيين يلعب دوراً كبيراً في إضعاف الدول، وربما حدوث الاضطرابات والثورات. وفي هذا السياق يساعد رأس المال الفكري الوطني على إعادة صهر الجوانب والابتكارات المجتمعية المختلفة ورأس المال الاجتماعي في نسيج واحد متجدد؛ فالهدف لا يتمثل في وجود عنصر فاعل وحيد ومستقل عن العناصر الأخرى الهامة، ولكن يكمن في صهر العناصر المجتمعية المختلفة وتناغمها ضمن منظومة كاملة من الترابط والفاعلية.

وفي ضوء الدراسات المختلفة الخاصة برأس المال الفكري الوطني، وقدرات الدول على مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية الطارئة فإن المنظمات الدولية المختلفة تضع مجموعة من الوصايا الهامة التي تساعد على الاستقرار المالي والسياسي تشمل:

1 - أهمية التضافر والترابط بين نمو رأس المال الفكري الوطني وبين التنمية الاقتصادية، حيث يجب النظر للأول على أنه محسن ومحفز للنمو الاقتصادي.

2 - الاحتفاظ الدائم بكميات مناسبة وكافية من الاحتياطيات النقدية الأجنبية بما يقي الدولة من أى صدمات اقتصادية مفاجئة.

3 - أهمية التوازن بين تشجيع نمط الإنتاج من أجل التصدير والتوسع في السوق المحلي بما يدعم الاستهلاك المحلي. وتبدو أهمية هذه النقطة في ضوء الأزمات الاقتصادية الكونية التي قد تؤدي إلى ضعف التصدير، وربما إيقافه، وهو ما يتم التعويض عنه في ضوء اتساع السوق المحلية والاعتماد على المستهلكين المحليين.

4 - أهمية وضرورة الاستفادة من خطط وباقات التحفيز الاقتصادي مسألة استراتيجية هامة، كما أن كفاءة إنفاق الأموال المخصصة للتحفيز ربما تعتبر أهم من خطط التحفيز ذاتها.

5 - أهمية تطوير رأس المال المجدد بما يتولد عنه من قيم جديدة وعليا، وبشكل خاص في الدول الأقل نمواً أو تلك التي تبدأ أولى خطواتها نحو التنمية.

6 - أهمية إنشاء شبكات أمان اجتماعي قوية مصحوبة بنسب نمو مرتفعة والاعتماد على سياسات تصديرية قوية مسألة حيوية في بناء اقتصاد أكثر مرونة وقوة.

7 - تحقيق الاستقرار السياسي يُمثّل صيغة للنمو المستمر للدولة؛ فالدول المستقرة سياسياً هي القادرة على مواجهة الأزمات المفاجأة، والقادرة على تحقيق خططها الاقتصادية، والارتقاء بمستوى مواطنيها.

8 - إنشاء وتأسيس نظام دعم إقليمي مسألة هامة في مواجهة الأزمات وتحقيق التقدم الاقتصادي، وهي مسألة يمكن تطبيقها بدرجة أو بأخرى على العالم العربي الذي يمكنه تحقيق مستويات عالية من التقدم أسوة بغيره من التكتلات الاقتصادية والسياسية الأخرى.

Email