جماعة الإخوان تنظيم إرهابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يشطح خيال أكثر الإخوان تشاؤماً أو أشد خصومهم عداوة، ويتصور أنه يمكن أن تنتقل الجماعة من خانة المحظورة إلى خانة "التنظيم الإرهابي"، بعد جلوسها على عرش السلطة في مصر ما يقرب من عام ونصف العام، بين مجلسي الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية.. هذه نقلة سياسية مرعبة، تشبه سقوط الشهب من الفضاء محترقة على الأرض.

وكالعادة تصاحب هذه الشهب المحترقة خسائر جسيمة في المناطق التي تسقط عليها، وهو ما يحدث من أعضاء الجماعة الآن في ردود أفعالهم على قرار مجلس الوزراء المصري بهذا التصنيف الخطير.

فقد ارتفعت وتيرة العنف، من مجرد عمليات ومصادمات واشتباكات مع الأمن، إلى حرق مبان في جامعة الأزهر، وإلقاء قنبلة على أتوبيس نقل عام أو زرعها في شوارع، وتهديدات عاتية بأعمال اغتيالات.

فالجماعة لم تتوقف خسائرها، بعد القرار، عند الحكم والسلطة فقط، وكان يمكن أن تشارك فيهما بدرجة أو أخرى، لو تفهمت وفهمت ما صنعه ملايين المصريين بالخروج في 30 يونيو ضد الرئيس محمد مرسي عضوها البارز، فإذا بهذه الخسائر تمتد إلى أصل وجودها السياسي والاجتماعي معاً، ويدفع بها إلى باطن الأرض مجدداً.

وقد تكون هي المحنة الأصعب في تاريخ الجماعة، وربما المحنة المصيرية التي سوف تلقي بظلالها السوداء على قادم أيامها، وهي تتجاوز ما أصابها في المحن الثلاث الكبرى السابقة: قبل الثورة في عام 1948 بحلها على يد رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، وفي أزمة 1954 التي بلغت ذروتها عقب محاولتها اغتيال جمال عبد الناصر، وفي عام 1965 فيما عرف بالمؤامرة الكبرى على نظام الحكم.

في هذه الأزمات الثلاث كان للجماعة ظهير مؤيد أو متعاطف، سواء أفراداً في الداخل أو منظمات وهيئات رسمية وشعبية في العالم العربي، ظهير ساندها ووقف خلفها وأتاح لها فرص النمو سراً داخل مصر، أو علناً خارجها.

أما في هذه الأزمة فالأمر مختلف، فتصنيفها تنظيماً إرهابياً يرفع عنها كل عون أو مساندة من أي نوع، ما عدا ما سوف يجري في الخفاء، وكشفه يضع أصحابه داخلياً تحت طائلة القانون، وخارجياً في أزمة دبلوماسية مع الدولة المصرية.

والأهم أن تصرفات الجماعة في العامين الأخيرين قد أثارت شكوكاً ومخاوف خطيرة بما تنتويه للمنطقة العربية، لو دامت لها السلطة والحكم فترة أطول، خاصة وأن لها أذرعاً ممتدة في دول كثيرة، وهي تسعى للخلافة الإسلامية وأستاذية العالم كما دونها مؤسسها حسن البنا في رسائله وكتاباته.

ورغم انعدام الوجود القانوني للجماعة في الأربعين سنة الأخيرة، إلا أنها كانت تتحرك اجتماعياً وسياسياً في الشارع المصري بحرية، حسب طبيعة علاقاتها شداً وجذباً مع نظامي أنور السادات وحسني مبارك، بل تمكنت الجماعة في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك من أن تتوسع وتتوغل، وتلعب أدواراً في الحياة العامة لم تحدث طوال تاريخها الممتد لخمسة وثمانين عاماً؛ في النقابات.

ونوادي أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، ومجلس الشعب، والمساجد، ومنظمات المجتمع المدني، والأعمال الخيرية، بل إن شبابها في الجامعات المصرية كانوا أكثر حرية وحركة من كل شباب الأحزاب المصرية المعترف بها من الدولة.

لكن بعد قرار مجلس الوزراء باعتبارها تنظيماً إرهابياً، انقلبت الأوضاع رأساً على عقب، وتقلصت المساحات المتاحة أمامها إلى درجة العدم.

فلا يستطيع أي منتمٍ لها أن يشارك في أي عمل عام، فلا دخول في انتخابات النقابات المهنية، التي كانت هي الباب الملكي الذي مرت منه إلى فرض وجودها واقعياً، خاصة في نقابات المهن الطبية والمحامين والمهندسين.

وبالطبع لن تكون أمام أعضائها أي فرصة للترشح لأي انتخابات عامة: مجالس محلية وبرلمانية، ولا يقدر طلابها على خوض انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعات المصرية، ناهيك عن أن كل منظمات المجتمع المدني التي أسستها في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية والتعليم والصحة ومراقبة الحياة العامة والتنمية، مهددة بالتوقف التام ومصادرة أموالها.

باختصار، تبدو الجماعة كما لو أنها ماتت إكلينيكياً، وتعيش فقط على أجهزة العنف والمظاهرات والمسيرات التي تفجرها بانتظام، في محاولة لإنهاك الدولة المصرية وإفشال أي تقدم سياسي واقتصادي، وهي أعمال لا تعيدها إلى الحياة العامة.

ومن سوء حظ الجماعة أو من سوء نظامها، ضعف الخيال السياسي لدى قياداتها الكبرى وكوادرها في الصف الثاني، ومن الواضح أنها باتت مثل سفينة تاهت في بحر الظلمات، بلا قبطان أو بوصلة ترشدها إلى مرفأ شبه آمن

. قطعاً يمكن أن ندرج قرار التصنيف الإرهابي كجزء من الحل الأمني للأزمة المصرية مع تنظيم الإخوان، وقد يصلح مؤقتاً في هذه المرحلة الحرجة المضطربة من تاريخ مصر، لكنه ليس علاجاً ناجعاً، فالجماعة ليست تنظيماً مسلحاً مجرداً مثل الجماعات التي وضعها العديد من دول العالم على لائحة الإرهاب، ويقدر عددها بما يزيد على 150 منظمة في أربعة أرجاء المعمورة، وهو ما يحتاج إلى حل سياسي لا محالة.. لكن قطعاً لن تعود الجماعة إلى سابق عهدها.

 

Email