عن الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في السابع من ديسمبر 2013، أتيحت لي الفرصة لحضور الندوة الدولية التي نظمتها جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، تحت عنوان "الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي".

تضمنت الندوة ثلاثة محاور رئيسية: الإعلام الصيني والعالم العربي، صورة الصين في وسائل الإعلام العربية، والتعاون الإعلامي الصيني العربي: الواقع والمستقبل. حضر الندوة باحثون وإعلاميون من الصين والعالم العربي، ومنهم باحثون عرب يعملون في وسائل إعلام صينية أو عربية في الصين، وعرضت فيها ثلاثة نماذج من الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي.

أولا: الإعلام الرسمي أو الدبلوماسي الذي يتكرر منذ سنوات طويلة. وقد عبرت عنه كلمات الجلسة الافتتاحية، وتحدث فيها منظم الندوة عميد كلية الآداب في الجامعة، ونائب رئيس جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، ومندوب وزارة الخارجية الصينية.

أبرزت الكلمات الثلاث التي قدمت باللغة العربية أو ترجمت إليها مباشرة، دور الكلية في تخريج عدد كبير من الأدباء والمفكرين والسفراء المنتشرين في العالم العربي، ومساهمتها في نشر دراسات هامة عن العالم العربي، في إطار النضال المشترك ضد الاستعمار الأجنبي، ودفاعا عن السلم العالمي والتحرر الوطني. وبعد أن اعتمدت الصين سياسة الانفتاح والإصلاح المستمرة منذ عام 1978، تطورت علاقاتها الاقتصادية مع العالم العربي إلى أن بلغ حجم التبادل التجاري 220 مليار دولار عام 2012، بزيادة 11 مرة عما كان عليه عام 2001، مما دفع الصين وبعض الدول العربية للمطالبة برفع درجة التعاون بينهما إلى مرتبة العلاقات الاستراتيجية.

وتكرر الحديث عن دور منتدى التعاون الصيني العربي الذي تأسس عام 2004، والمنتديات الأخرى المشتركة، وجمعيات الصداقة الصينية العربية، وكثرة الوفود السنوية المشتركة، وتشجيع السياحة المتبادلة بين الجانبين، وصولا إلى استقطاب عشرات ملايين الصينيين إلى المراكز السياحية العربية.

واستعادت الكلمات الدبلوماسية مواقف الصين الثابتة والداعمة للقضايا العربية الكبرى، خاصة قضية فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وبناء دولته المستقلة على حدود 1967، بالإضافة إلى إدانة الصين لبناء مستوطنات صهيونية على الأراضي الفلسطينية، وموقفها الثابت لحل الصراع العربي - الإسرائيلي عن طريق المفاوضات، ودعم مبدأ الأرض مقابل السلام، والعمل على حل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية عبر مؤتمر جنيف الثاني للسلام، والتركيز على العلاقات الإنسانية المبنية على قيم الصداقة، والتسامح، وحماية المصالح المشتركة، وتعزيز التعاون بين الشعوب العربية والصينية.

ثانيا: الإعلام الأكاديمي الموثق بدقة وموضوعية، وعبرت عنه أبحاث متنوعة قدمت للندوة بأقلام صينية وعربية، عالجت موضوعات هامة أبرزها: الإعلام الصيني بين الفرص والتحديات، دراسة عن وكالة شينخوا الصينية بين الإنجازات والتحديات، لغة الصور في الإعلام، إنجازات القناة العربية في تلفزيون الصين المركزي والتحديات التي تواجهها، دراسة مقارنة لوسائل الإعلام العالمية الناطقة باللغة العربية، رسالة الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي، صورة الصين في وسائل الإعلام العربية، الإعلام الصيني والانتفاضات العربية لعام 2011، الربيع العربي وموقف الصين في وسائل الإعلام العربية، صورة الصين في فضائيات عربية، وواقع التعاون الإعلامي الصيني- العربي وآفاقه المستقبلية، والمجلات الإعلامية الموجهة للخارج بين المأزق والمخرج.. وغيرها.

بدا واضحا الجهد الكبير الذي تضمنته تلك الأبحاث، والتوثيق الجيد، واعتماد الموضوعية في إبراز التحديات التي تواجه الإعلام الصيني، الذي ما زال عاجزا عن التأثير المباشر على الرأي العام العربي، لكن غالبية تلك الأبحاث بقيت في حدود التوصيف الأكاديمي البارد.

ثالثا: الإعلام الصيني المرتجى وكيفية إيصال القضايا العربية اليومية للمواطن الصيني.

كان لافتا في جلسة الافتتاح، كلمتان مؤثرتان جدا لفائزين بجائزة تقديرية نظمتها الجامعة تحت عنوان: "ماذا أعمل لو كنت مراسلا صينيا في العالم العربي؟". تحدث الفائزان مباشرة باللغة العربية، فركزت الفائزة بالجائزة الأولى على موضوعات إنسانية بحتة: حلمي أن أكون مراسلة لأزور أكبر عدد ممكن من الدول العربية، لكي أوثق بالصورة والصوت واقع الشعوب العربية وأنقله بأمانة إلى الشعب الصيني.. حلمي أن أتعرف إلى حياة الإنسان العربي في الصحراء والواحات، في المساجد والمدارس والجامعات..

حلمي أن أنقل الحياة اليومية للإنسان العربي العادي، أن أنقل أفراحه وأحزانه إلى المواطن العادي الصيني، أسأله عن رأيه في دولته وفي الصين، عن رؤيته لمستقبل العلاقات بينهما، وعن تحويل حلم التغيير إلى واقع معاش..

أن أنقل بدقة وموضوعية معاناة شعب فلسطين الذي شرد من أرضه، أن أوثق ألم الزيتونة المقتلعة بقسوة همجية، ومأساة التينة الخضراء التي حولها الاحتلال إلى تينة يابسة.. حلمي أن أسمع المواطن الصيني تنهدات الفلسطيني وهو يردد يوميا أغنية فيروز "سنرجع يوما إلى حينا".

بدوره، ركز الفائز الثاني على غياب الصورة الواقعية المتبادلة لدى المواطن العربي والمواطن الصيني، والاستعاضة عنها بصورة ضبابية لا يستسيغها المواطن العادي. يسمع يوميا في وسائل الإعلام عن طريق الحرير البري والبحري، لكن المواطن الصيني والعربي لا يعرفان الكثير عن هذا الشعار الطوباوي، ولا يريان منه شيئا على أرض الواقع المعاش.

ومعرفة الصيني عن العربي وبالعكس ليست سوى صورة نمطية تبثها وسائل الإعلام، دون أن تثقف المواطن العادي بأبعادها الإنسانية.

ودور الإعلام المتبادل أن ينقل يوميا حقيقة ما يجري في الصين والعالم العربي على أرض الواقع "لو كنت مراسلا صينيا في العالم العربي لنقلت إلى المواطن الصيني هموم المواطن العربي: كيف يعيش؟ كيف يفكر؟ ماذا يريد المواطن العربي من الصين؟ وماذا يريد المواطن الصيني من العالم العربي؟ وأن تبنى العلاقات المتبادلة في المستقبل على أسس ثقافية متبادلة، أكثر إنسانية وصدقية".

ختاما، عبرت تلك الكلمات المؤثرة جدا لجيل الشباب الصيني، عن حاجة الإعلام الصيني لنقل حقيقة ما يجري في المجتمعات العربية إلى المواطن الصيني، ومعاناة المواطن العربي وحلمه المتكسر بين الماضي والمستقبل. فحلم المواطن العربي لا يختلف كثيرا عن حلم المواطن الصيني؛ كلاهما يريد التحرر من أعباء الماضي، وبناء علاقات إنسانية بين مواطنين يعززون الصداقة بالود المتبادل ودفء العلاقات الإنسانية، متجاوزا خطب الدبلوماسية المكررة، والأبحاث الأكاديمية الباردة.

Email