إسرائيل وأحلام السيطرة على المياه العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتمد المشروع على محطة هي الأضخم من نوعها في المنطقة، وربما العالم، لتحلية مياه البحر الأحمر في الأراضي الأردنية! المنطقة بحاجة ماسة للمياه بسبب شح المياه الطبيعية. شرق الأردن يعاني حديثاً أزمة مياه حادة، لم تستطع البرامج المحلية والعربية الوصول إلى أي حل جذري بشأنها.

الضفة الغربية تعاني تبعات شح المياه والإجراءات الإسرائيلية، التي تضيق الخناق المائي على الفلسطينيين. إسرائيل بطبيعتها ذات حاجة متزايدة باطراد لا مثيل له في المنطقة. جزء من مياه المشروع يساهم نظرياً، الآن، في حل مشكلة جفاف البحر الميت.

استحوذت إسرائيل على كامل مياه بحيرة طبرية، التي ينساب منها نهر الأردن التاريخي. مجرى النهر يواجه خطر التنضيب وحتى الجفاف، بسبب المشروعات المائية الإسرائيلية الضخمة التي لا تضع اعتباراً لأحقية الآخرين بنفس المياه.

على الأمد المتوسط والبعيد لا يبدو أن مشروع هرتزل يحمل بشائر خير لأهل المنطقة العرب، لا بل قد يضع المنطقة أمام تحكّم إسرائيلي من نوع أكثر خطورةً وحيويةً وحسماً. يروي المشروع جزءاً كبيراً من المناطق السكانية الأردنية، خاصةً في منطقة الشمال؛ يستفيد منه ما يقارب ثلثي السكان.

تمر المياه عبر أنبوب، أو حزمة منها، مما يجعل الوضع أكثر هشاشةً من أي وقت مضى، أمام العوامل والمتغيرات السياسية والاقتصادية والبيئية والأمنية. الظروف الحالية والعملية السياسية «السلمية» الجارية، تجعل العرب أكثر عرضة للابتزاز والتطويع أمام الرؤى والأفكار الإسرائيلية.

تصبح إسرائيل سيدة قرار المنطقة السياسي أكثر من أي وقت مضى، حيث الأمر يتعلق بماء حياة كتل بشرية كبيرة في المنطقة.

ضمنياً وعملياً وأمراً واقعاً، على العرب أن ينسوا، نوعاً ما منذ الآن، حقوقهم في مياه نهر الأردن وبحيرة طبرية؛ الأخيرة أصبحت إسرائيلية 100 % بعد حرب يونيو 1967.

يحمل المشروع بين ريشه وتحت جناحيه بذور تغيير جذري في عقلية أهل المنطقة تجاه السلام؛ خاصةً حسب الطريقة الإسرائيلية، المدعومة غربياً.

تصبح الأطراف المتصارعة والمتخاصمة والمتنافسة، خاصةً العربية، تتقاسم ماء الحياة من نفس أنابيب المياه التي تروي الإنسان والأرض، وقد تحل مشكلة منطقة البحر الميت بيئياً، ذلك إذا ما مشى المشروع بحسن نية من كافة الأطراف.

من جانبها وكالعادة، فإسرائيل ستحاول الاستفادة من هذا العطاء المائي الكريم، من حساب تنازلات تخص القضية الفلسطينية، ديمغرافياً وسياسياً. إسرائيل تسيطر بشكل شبه مطلق على كافة شؤون الأوضاع الفلسطينية، اقتصادياً وسياسياً ومالياً ومائياً وإدارياً.

يُعتقد الآن أن المشروع سيساهم في الإسراع بتهويد المناطق المحتلة، التي تتعرض لهجمة استيطانية شرسة؛ تهدف إلى اقتلاع الوجود الفلسطيني من مناطق السلطة وإسرائيل.

ولو جزئياً ومؤقتاً، تُحلُّ مشكلة نقص المياه في الأردن، وفي المقابل تزيد تعقيداً في المناطق المحتلة، بفعل السياسة «المائية» الإسرائيلية. ذلك ما يدفع تلقائياً بكتل كبيرة من المواطنين تحت الاحتلال للهجرة «طوعاً! وغسلاً وتطهيراً عرقياً» إلى خارج المنطقة؛ بحثاً عن ماء الحياة. النوايا الإسرائيلية في تهويد فلسطين لا تقتصر فقط على إسرائيل داخل حدود عام 1948، بل تمتد إلى عمق وطول وعرض المناطق المحتلة عام 1967.

من جانبه فالبنك الدولي ليس مؤسسة رعاية اجتماعية أو سياسية، كما قد يبدو، والحال هذه يقدم عرضاً سخياً طَموحاً للشعوب العربية العطشى. مقابل ذلك، على العرب أن يقدّموا التنازلات تلو التنازلات؛ في مقدمتها ما يأتي على الأرض والإنسان العربي، والحضارة والثقافة العربيتين.

لم يستطع أحدهم أن يفهم أو يقرأ ما كان يحلم به ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية والأب الروحي لنشأة ووجود دولة إسرائيل. لكن كما يبدو فلقد كان يحلم بتطبيع كامل مع العالم العربي، يمر عبر أكثر الأحياء حاجة له للبقاء على قيد الحياة، ألا وهو الماء.

من يعرف ماذا تخطط له إسرائيل تكتيكياً مرحلياً واستراتيجياً أكثر ديمومةً؟! الأخيرة باتت تسيطر على مياه نهر الأردن، والمياه الجوفية الطبيعية الثابتة لفلسطين. ذلك مقابل أنبوب أو مجموعة أنابيب اصطناعية، يسهل العبث بها لأهداف سياسية وأمنية وجيواستراتيجية.

Email