التاريخ يحكم على أوباما بالأفعال لا بالأقوال

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحكم التاريخ على القائد حصراً من خلال أفعاله، ونتائجها النهائية، وليس بالكلمات العابرة. ويبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يكبح نفسه أخيراً عن الكلام، بعد أن كان مندفعاً في الحديث عن وعود الأمل والتغيير في أغلب فترة رئاسته.  

هل تذكُر الأزمة السورية التي هيمنت الثرثرة حولها لمدة أشهر قبل أن تتلاشى تماما؟ هل تتذكر كيف كان يتحدث المنتقدون عن عجز خطير، وحتى عن إقالة محتملة؟ تقدم سريعاً إلى اليوم، وحاول فقط بدء محادثة مع "أوباما قد أتلف حقا الوضع في سوريا". وحاليا بما أن الروس قد أشرفوا على خطة لتدمير الترسانة الكيماوية لهذا البلد، والتفوا حول قائده، إلى ماذا سيشير وضع سوريا "التالف" هذا؟

يسجل التاريخ حوادث تحطم الطائرات، وليس الاضطراب الجوي، على الرغم من أن الذين على متن الطائرة نفسها ربما ثرثروا حول هذا الاضطراب. وهنالك تكمن المشكلة، وهي زيادة الانفصال بين الواقع والعالم الافتراضي، حيث إن الناس أصبحوا منهمكين أكثر بوسائل الإعلام الاجتماعية، وطبيعة وقتها الحقيقي. وكثير من المراقبين مهووسون بالتفاصيل الدقيقة ثانية بثانية، وبأتفه الاضطرابات. لا يتقيد قائد دولة ما بوسائل الاتصال الاجتماعية أو قنوات الأخبار، ولا يجب عليه أن يكون كذلك. وفي الواقع، هذا سيجعله غير كفءٍ للقيادة.

فبصفتك قائداً، أنت من يضع السياق، ما يعني عدم التجاوب مع من لهم جدول أعمالهم الخاص، وهذا يشبه كثيراً عدم قضاء لاعبي كرة القدم وقت المباراة في الصراخ على المدرجات التي تضم مشجعي الفريق الخصم. ويمكن القول إن أي رئيس أميركي حديث لم يفهم هذا الأمر بشكل أفضل من الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. ومن الممكن أن الرئيس أوباما يبدأ حالياً باستيعاب الأمر أيضا.

وسواءً اتفق معه المرء أم لا، فإن الرئيس أوباما كان يعمل لإجراء إصلاحات رئيسية في مجالات تتراوح بين الرعاية الصحية، إلى الهجرة، وصولاً إلى تشريعات تنظيم الأسلحة. ولكلٍ منها عيوبه، إذ تعد خطة الرعاية الصحية لأميركا (أوباما كير) شبكة الأمان الاجتماعي الأكثر طموحاً، التي يتم تنفيذها في أميركا خلال عقود. ومن المرجح أن يتبعها إجراء تغييرات كبيرة في قوانين الهجرة.

لدى القادة قرار تكتيكي يتعين اتخاذه: إما أنه بإمكانهم الاستمرار في الحديث وشرح خياراتهم بعناء، (شأن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي كان مشهوراً بالقيام بذلك طوال الاضطراب في فترة ولايته)، أو أنه بإمكانهم التراجع خطابياً، والسماح للأعمال والنتائج لتتحدث عن نفسها. لقد كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش من أنصار استراتيجية تقديم الأفعال على الأقوال الخطابية، تقريباً من خلال إزالته أي جهود لإجراء اتصالات دفاعية، وتفضيله ترك التاريخ ليكتب نفسه.

"تحذير، تعتبر الموضوعات أقل أهمية مما تبدو عليه". يجب أن يتم إرفاق هذا الشعار بالمعلومات التي تنبثق من محطات الأخبار التي لا تعرف الكلل، على امتداد الأسبوع وطوال الـ24 ساعة، ولهجمة المعلومات. ففي لحظة، يمكن أن يبدو أي شيء وكل شيء مهماً، إلا أنه يمكن للوقت فحسب أن يضعها في سياقها الصحيح، كما ينبغي. يتم إجراء الاستطلاعات كل بضعة أيام. ويتم احتساب الاستطلاع الأخير فحسب، وهنالك دائما استطلاع آخر مقبل مباشرة.

يسأل القائد الذكي نفسه، عندما تواجهه أزمة: "هل ينسب التاريخ أهميةً لهذا الحدث؟ وإن كان الأمر كذلك، ما الذي سيكون السياق الأكبر؟" ومع وضع هذه الأسئلة، بالضبط، في عين الاعتبار، يجب أن يتحدث السياسي، أو لا يتحدث. إنها علامة على الحكمة، عوضاً عن الغطرسة، وألا يكون مندفعا للاستجابة لأمور لا تستوفي هذه المعايير للاستجابة. وبعد كل شيء، فقد تم انتخاب القائد للقيادة، لا لأن يتم تسييره من قبل أي شخص.

لا يجب حسم التاريخ اليوم، وبالتأكيد لن يقرره حراس للبوابة نصبوا أنفسهم. ويفهم القائد الذكي أن لا أحد يعود من عطلته إلى المنزل، ويركز على 5 دقائق من الاضطراب جرت خلال رحلة العودة.

وبالنسبة إلى جميع الحمايات التي أمنها جورج بوش عن خطواته العدوانية في السياسة الخارجية كرد على هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، أظهر استطلاع أجراه معهد "غالوب"، أجري في يونيو الماضي، أن نسب تأييده محلياً ارتفعت لنحو 49%، بعد أن هبطت لنحو 32% خلال السنة الأخيرة من فترة ولايته الماضية. ماذا فعل ليكسب مثل هذا الصعود الكبير في شعبيته؟ لا شيء، لم ينتقد عليه خلال فترة رئاسته.

يعتبر الرؤساء الفرنسيون، من جاك شيراك حتى نيكولا ساركوزي، أكثر شعبية بشكل متواصل في استطلاعات الرأي، وذلك بعد أن انقشع الغبار، وأصبح نطاق رؤية إنجازاتهم أكثر وضوحاً.

لا تحتاج الحقائق والمعلومات الصحيحة ليد تقودها، لأنها تجد طريقها للتاريخ من تلقاء نفسها.

 

Email