التدخلات الخارجية والتغيير السياسي العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا مفر من الاعتراف بوجود تدخل خارجي حاسم في شؤون الدول والشعوب التي واجهت وتواجه التغيير في العالم العربي حتى الآن. العرب جزء من العالم ويحتلون موقعاً استراتيجياً حساساً في الخريطة الديمغرافية العالمية. عيون القوى السياسية الدولية تتابعهم في كل خطوة يقومون بها.

تريد تلك القوى ضمان وصول القوى المعتدلة واستبعاد قوى التطرف والتشدد من الحكم. إذا ما تُرك الحبل على الغارب لقوى التطرف فذلك يؤثر سلباً على السلام العالمي، خلاف المحلي والإقليمي.

صور التدخل الخارجي متعددة، وتأتي من الجوار القريب والبعيد ومن القوى الدولية الرئيسية اللاعبة في مسرح السياسة الدولية. تأخذ هذه الطابع الأيديولوجي السياسي والعقائدي والحفاظ على المصالح منطلقاً لها. تمثل المنطقة ساحة واسعة ممتدة لصراع التيارات الفكرية.

هذه تجذب العديد من التدخلات التي تهدف إلى تسيير مرحلة ما بعد التغيير بطريقة تخدم مصالح تلك الدول، وتلبي طموحاتها وأمنياتها. القسط الأكبر من التدخل الخارجي يأتي من القوى القادرة، المتمكنة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. القسط المتبقي يتوزع على القوى القادرة على التأثير بسبب التداخل الأيديولوجي والثقافي والحضاري.

المساعدات الاقتصادية والعسكرية تأخذ الحيز الأكبر في القدرة على التأثير. المعارضة الثائرة أو المتمردة على الحكم، تتلقى دعماً مالياً وتموينياً من الدول المانحة أو المتحالفة أو الصديقة.

هنالك مساعدات عسكرية تتمثل بتوفير وإدخال السلاح والعتاد، والتدريب والتأهيل لعناصر القوى المتمردة. تتمتع الأنظمة السياسية الحاكمة بدعم خارجي، بعضه يأتي حتى من القوى التي تتعاطف مع المعارضة السياسية.

الهدف هو الإبقاء على موطئ قدم، سياسي أو عسكري أو اقتصادي، في تلك البلدان. ذلك سواء بقي النظام الحاكم جزئياً أو كلياً، أو حصل تغيير جزئي أو كلي في البلد المستهدَف بالتغيير. الرهان على طرف واحد يربح معركة، أو "صفقة"، التغيير غير مشجع. ذلك في ظل تجارب التغيير في الدول التي نجحت الثورات في قلب أو تغيير نظام الحكم فيها، جزئياً أو كلياً.

الاستقرار المنشود بعد نجاح التغيير، بات مشروطاً بقبول الأنظمة السياسية الجديدة للتعهدات مع القوى الخارجية. بعد التغيير هنالك تدخل خارجي واضح، يريد الاستمرار في التأثير والتحكم في المسار مرحلياً قصير المدى، أو استراتيجياً بعيد المدى.

ذلك ما أوجد خلافاً وهوة واسعة بين فئات نظام الحكم الجديد، مما أوجد بيئة عدم استقرار تظل تهدد منجزات ربيع التغيير جزئياً أو كلياً. الأنظمة السياسية الجديدة وجدت نفسها منغمسة في وضع كانت تعيبه على القوى السياسية البائدة، من حيث طريقة التعامل مع القوى السياسية الدولية الرئيسية. بات هنالك تدخل في كل صغيرة وكبيرة تقريباً في شؤون الكيانات الناشئة أو العتيدة. منها ما قد يصل إلى حدود الابتزاز السياسي والثقافي، بسبب ضعف أنظمة التغيير اقتصادياً وسياسياً، وحتى تجذّراً في المجتمع. القوى الديمقراطية الحاكمة تنتظر عوناً حاسماً وحيوياً من الخارج، يساعدها على الاستمرار في الحكم.

الحركات أو الثورات المضادة أو الفلول أصبحت في وضع الند للند. هذه تهدد بالعودة بمجريات الأحداث إلى العهود السابقة، مع تعديلات جزئية أو جذرية أو حتى كلية مهمة تقوم بها. طبيعة ربيع التغيير هي حقيقة مزيج من الصراع على الحكم والتحكم والثورة الشعبية أو الانتفاضة العارمة، والدعم الخارجي السياسي والعسكري والإعلامي والمعنوي. هذه العوامل ديناميكية غير ثابتة النسبة في التأثير في مسار التغيير، قبل وخلال وبعد العملية، بالسلب أو الإيجاب أو الحيادية.

إن لم يُسيطَر عليها بتعقل فسوف تظل الأمور تراوح مكانها في حالة من عدم الاستقرار، وتخضع لقانون الفعل ورد الفعل. يستمر ذلك طويلاً بشكل ينهك الشعوب ويستنزف الطاقات والقدرات، ويجعلها في وضع بائس يائس سهل التحكم من قبل القوى الخارجية.

Email