الاغتيال أحد أقدم الوسائل لتصفية الخصوم في عالم السياسة أو في غيره، ولم يسلم منها بلد ما عبر التاريخ، وهو وسيلة طالما لجأ إليها الحاكم في الماضي لتصفية خصومه أو من لا يرغب ببقائه. الاغتيال قد لا يتناول أشخاصاً ذوي أهمية سياسية أو دينية أو اجتماعية.

بل قد يكون عرضة له أشخاص عاديين لغرض بث الرعب من جهة والمساعدة على دفع عمليات التطهير العرقي أو الديني أو المذهبي أو الأيديولوجي ووضعها في سياقات التنفيذ من جهة أخرى.

عبر التاريخ اغتيل ملوك وخلفاء وأمراء وقادة عسكريون ومصلحون اجتماعيون وقادة فكر ونشطاء في حركات سياسية، كما اغتيل أناس كُثر ليس لهم أهمية من نوع ما، كما اغتيل رجال يعملون في التجسس من قبل منظماتهم نفسها بدافع الشك في الولاء أو لطمس معلومات لا يسمح بتسربها إلى أحد حاضراً أو مستقبلاً.

الدوافع وراء الاغتيال مختلفة ومتنوعة حسب الظروف فهي قد تكون لأسباب سياسية أو فكرية أو عسكرية وربما تجري لأسباب الكسب المالي أو لغرض الانتقام والثأر. ومهما كانت الأسباب التي تقف وراءه فهو لا يعدو كونه تنفيذ قرار بالإعدام لم يصدر من جهة قضائية ولا يخضع لغطاء شرعي أو قانوني.

تتم عمليات الاغتيال بعد تخطيط دقيق يجري تنفيذه على مديات زمنية يعتمد طولها أو قصرها على موقع الضحية وما يحيط به من موانع وعوائق، وهي تختلف من شخص لآخر. ويتم الإعداد لعملية الاغتيال عادة في سرية تامة وفي حالات كثيرة لا يُعرف الفاعل، في حين في حالات أخرى تُعلن الجهة المنفذة مسؤوليتها عن ذلك.

معظم من تعرض للاغتيال في العصور المتأخرة هي رموز حملت رسالة إنسانية كبيرة مثل إبراهام لنكولن والمهاتما غاندي ومارتن لوثر كنغ وآخرين من حملة الفكر النير. ومعظم من وقف وراء اغتيالات من هذا النوع هي قوى الظلام التي تعادي من حيث المبدأ الإنسان وقيمه لأسباب مختلفة قد يكون بعضها ذا صلة بالمصالح الآنية، وقد يرجع بعضها إلى دوافع تتعلق بموروثات عرقية أو دينية أو مذهبية أو أيديولوجية.

والحقيقة إن ممارسة الاغتيالات قد لا تقتصر على عمل فرد أو منظمة سياسية، ففي أحيان كثيرة تمارس الدولة نفسها عمليات الاغتيال لمسؤولين في دولة أخرى أو آخرين في بلدها نفسه للتخلص من عقبة تعيق تنفيذ سياساتها أو في حملة القمع الفكري للتخلص من إزعاجات النقد والمعارضة. وفي أحيان كثيرة يذهب المنفذ أو الجهة التي تقف خلفه دون حساب خاصة في الدول التي تفتقر إلى وجود مؤسسات ديمقراطية والتي تشهد احتقانات سياسية.

أداة الاغتيال تطورت عبر التاريخ حيث كانت في بداياتها سلاح جارح يحمل باليد في اتصال مباشر بين القاتل وضحيته، كما حصل في عمليات اغتيال آخر ثلاثة خلفاء في العصر الإسلامي الراشدي وفي عشرات الاغتيالات التي مارستها فرقة الحشاشين التي أسسها حسن الصباح (ت 1124م)، لتصبح هذه الأداة في عصرنا الحالي قذائف موجهة مارست إسرائيل عمليات اغتيالاتها للقيادات الفلسطينية بوساطتها..

وهي عمليات معقدة تتطلب معلومات استخبارية آنية على مستوى عال من الدقة وتقنية متطورة في الرصد والتسديد الصاروخي من الجو، وهو نزع من الاغتيال الذي تعلن عنه الدولة بنفسها. إلا أن هناك وسيلة للاغتيال يراد منها الإبقاء على سريتها كي لا تبدو كأنها عملية قتل عمد، فالتاريخ في الماضي قد حفل بحالات لا تحصى من عمليات اغتيال باستخدام المواد السامة التي تدس في طعام أو شراب الضحية من قبل أحد المقربين له الذي يوظف لأداء هذه المهمة.

إلا أن هذه الوسيلة في التخلص من البعض لم تصبح جزءاً من الماضي فقد أعيد لها الاعتبار في حالات عديدة للسبب نفسه الذي استخدمت فيه، وهو وفاة الضحية دون معرفة الأسباب أو الفاعل بعد أن أصبحت أدوات العلم قادرة من خلال التحليل المختبري التعرف على سبب الوفاة وتشخيص نوعية المادة السامة التي استخدمت في الاغتيال.

وقد وقع حديثاً ضحية لذلك المنشق الروسي أليكسندر ليتفينينكو أحد العاملين في المنظمة الروسية الجاسوسية المعروفة باسم (كي جي بي) على قاعدة تغيير ولائه لصالح منظمة استخبارية بريطانية هي (إم آي فايف) الذي لاقى حتفه بسبب تداعيات المادة المشعة المعروفة باسم بولونيوم 210 التي تسللت إلى جسده والتي احتلت عناوين بارزة في الصحافة البريطانية في نوفمبر من عام 2006.

هذه المادة المشعة هي من أندر المواد في الطبيعة وقد سبق أن اكتشفتها للمرة الأولى ماري كيوري وزوجها بيير كيوري عام 1898، وأطلقت عليها اسم بلدها (بولندا). هذه المادة موجودة بمقادير ضئيلة جداً في خامات اليورانيوم في القشرة الأرضية ويمكن الحصول عليها من خلال عملية تخصيب اليورانيوم وهي من الناحية العملية تقنية معقدة ومكلفة جداً ولا تستطيع سوى دول محدودة في العالم استخلاصها.

المادة شديدة الخطورة إذ حالما تصبح في مجرى الدم بعد تسللها إلى الجسم عبر الفم أو الجلد يصبح من المستحيل التعامل معها وإيقاف تأثيراتها، إذ تنتقل إلى جميع أجزاء الجسم وأثناء تحللها الإشعاعي تقذف جسيمات ألفا (نواة ذرة الهليوم) التي تعمل على تخريب الكبد والكلية ونخاع العظام، وتتضح أعراض ذلك في الفشل الوظيفي لهذه الأعضاء.

فالقدرات السمية لهذا العنصر تبلغ مائتين وخمسين ألف مرة قدر قدرات هايدروجين - سايانايد، فالجرعة اللازمة لقتل شخص بالغ بمادة بولونيوم 210 لا تتجاوز (1 مايكروغرام)، واحد في المليون من الغرام، في حين تبلغ الجرعة اللازمة من الساينيد لأداء الغرض نفسه (250 مليغرام)، واحد في الألف من الغرام.

من خصائص هذه المادة ة هي سهولة تهريبها عبر الحدود فكونها تطلق جسيمات ألفا غير القادرة على اختراق صفيحة رقيقة من الورق يجعلها تمر بسهولة عبر أجهزة الكشف عن المواد المشعة في المطارات أو المعابر الحدودية.

ويعود الحديث عن هذه المادة في وسائل الإعلام بعد أن ثبت بأن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان آخر ضحاياها.