سباق الحل العسكري والسياسي في الأزمة السورية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الخامس من أكتوبر 2013 أعلن الأخضر الإبراهيمي أن محادثات جنيف الأخيرة لم تنجح في تحديد موعد مؤتمر جنيف الثاني. لكنه توقع عقده قبل نهاية العام الحالي مستنداً إلى حجم التقدم في هذا الاتجاه.

لعل أبرز الصعوبات التي أعاقت تحديد موعد المؤتمر تكمن في فشل المعارضة السورية في توحيد صفوفها بسبب الخلافات الداخلية بين أطرافها، وعجزها عن تسمية وفد موحد يُمثّلها في المؤتمر. وبالغ بعض أطرافها في الإعلان عن شروط غير مقبولة للمشاركة، وتتناقض مع توجهات رعاة المؤتمر الذين توافقوا على رفض أية شروط مسبقة.

فالمعارضة المنقسمة على ذاتها عاجزة عن الحوار مع النظام السوري. لذا اتجهت الأنظار لتوحيد صفوفها، وتحديد أهدافها بوضوح أمام الرأي العام العربي والعالمي لكي تصبح شريكاً فاعلاً في حل الأزمة. وتأجل موعد جنيف الثاني بهدف إعطاء فرصة إضافية للمعارضة السورية لكي تشارك في المؤتمر بوفد موحد. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري يجتمع مندوبون من الأمم المتحدة، وروسيا، والولايات المتحدة لتذليل العقبات بحيث تصبح المعارضة السورية جاهزة للمشاركة في المؤتمر الدولي المخصص لحل الأزمة السورية سلمياً.

مقابل تصلب المعارضة السورية وإعلان المنظمات الإسلامية الأصولية المتطرفة رفضها لمبدأ المؤتمر، وإعلان ممثل الائتلاف السوري شروطاً محددة لحضوره، أطلق ممثلو النظام السوري مواقف تصعيدية. فقادة النظام لن يحضروا مؤتمر جنيف لتسليم السلطة وفق ما تطالب به المعارضة والدول الداعمة لها. ويرى ممثلوه أن انعقاده يندرج في إطار عملية سياسية تنبني على حوار بناء بين السوريين لوقف العنف الدموي المتبادل، والحفاظ على وحدة سوريا، أرضاً وشعباً ومؤسسات.

ويرفضون فكرة تشكيل حكومة انتقالية مفروضة من الخارج لأن التغيير في سوريا يجب أن يكون فقط من صنع السوريين أنفسهم، وتحديداً عبر ممثلي السلطة والمعارضة الوطنية وليس على أيدي قوى سورية مرتهنة لأجندات إقليمية ودولية.

دلالة ذلك أن لغة التخوين وانعدام الثقة بين الموالاة والمعارضة في سوريا ما زالت سائدة بصورة جلية. ونجحت المعارضة والقوى الداعمة لها في تأجيل مؤتمر جنيف الثاني بعد أن لبت دعوة الولايات المتحدة بقبول مبدأ انعقاد المؤتمر. وتواطأت مع الأميركيين على تأجيل المؤتمر للبحث في أجندة إقليمية متكاملة. فالأزمة السورية تندرج اليوم ضمن ملفات إقليمية هي موضع خلاف بين الأميركيين والمملكة العربية السعودية التي تتهم الولايات المتحدة بالتقاعس عن توجيه ضربة عسكرية تساعد على إسقاط النظام السوري.

واتخذت موقفاً ملتبساً من النظام السياسي الجديد في مصر الذي تدعمه المملكة بعد إسقاط حكم الإخوان المسلمين. وتتخوف دول الخليج العربية من التقارب المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران وقبولها بمشاركتها في مؤتمر جنيف الثاني بمعزل عن موقف تلك الدول الرافض لدعوة إيران إلى مؤتمر جنيف الثاني.

في هذا السياق، أعلن رئيس الائتلاف السوري المعارض، رفضه حضور مؤتمر جنيف الثاني في حال شاركت إيران في أعماله. فجاءه الرد الفوري من وزير خارجية روسيا الذي شدد على ضرورة مشاركة إيران لأن حضورها مفيد وتترتب عليه نتائج إيجابية دون النظر إلى موقفها الأيديولوجي. وانتقد أيضاً طلب رئيس الائتلاف بوضع إطار زمني واضح لرحيل الرئيس الأسد واعتبره مخالفاً لتوجه المؤتمر، حيث لا يجوز لأي طرف أن يضع شروطاً مسبقة لحضوره. وأعلن نائب وزير خارجية روسيا أن المؤتمر قد يعقد في نهاية العام الحالي في حال تم التوافق على جدول أعماله، وحل القضايا المتعلقة بمشاركة المعارضة السورية . ورأى أن التصريحات الأخيرة لبعض قادتها كانت مخيبة للآمال، وأثبتت تواطؤ الأميركيين معها. ودعا إلى لقاء في موسكو بمشاركة ممثلين عن الحكومة السورية والأطراف الرئيسية في المعارضة.

وأعاد وزير الخارجية الأميركي التذكير بضرورة تنفيذ بيان جنيف الأول، وأن الحل السياسي يتطلب رحيل الأسد. لكنه أصر على حضور المعارضة لمؤتمر جنيف الثاني بعد أن وافقت السلطات السورية على حضوره. فمشاركة المعارضة بوفد موحد ضرورية بعد أن تأكد الجميع من أن الحل العسكري للأزمة السورية غير ممكن. مما يستوجب البحث عن تسوية سلمية، وتشكيل حكومة انتقالية محايدة تضمن للشعب السوري الحرية التامة في بناء مستقبله.

لقد تبنت محادثات جنيف الأخيرة سياسة مرنة تقوم على توسيع دائرة الاستشارات الدبلوماسية في الأمم المتحدة، وأظهر رعاة المؤتمر الحكمة والتروي في مواجهة المواقف المتشنجة لممثلي النظام والمعارضة معاً. وبدأ العمل الجدي لكي تصبح الأطراف المعنية بالأزمة السورية والقوى الإقليمية والدولية المساندة لها مستعدة لحضور المؤتمر والمشاركة في أعماله. ولا تتوقع الأطراف الراعية انعقاده قبل نهاية العام الحالي. لكن بعض مصادرها تؤكد على توافق الدبلوماسيين المنتدبين لعقد المؤتمر على نص الدعوات التي ستوجه إلى جميع المشاركين فيه.

ختاماً، ليس هناك ما يشير حتى الآن إلى حل سياسي قريب للأزمة السورية. لذلك تأجل موعد جنيف الثاني إلى أجل غير محدد بذريعة أن الظروف لا تزال غير مواتية لانعقاده. فقد رفض بعض قادة المعارضة مبدأ المؤتمر، وأصر آخرون على تنحي الرئيس الأسد كشرط مسبق لانعقاده. وتسيطر داخل سوريا فصائل مسلحة بعد أن اقتطع كل فريق لنفسه منطقة عسكرية يهيمن عليها.

وفي الخارج، ترفض أطراف فاعلة في المعارضة المشاركة في المؤتمر دون شروط مسبقة، لكنها تبدو عاجزة عن التوافق على وفد موحد يتمتع بصدقية التمثيل الشعبي. ومع فشل التوافق في لقاء جنيف الأخير على عقد المؤتمر، اتسعت رقعة المعارك العسكرية داخل سوريا.

فالجميع غارق في حسابات خاصة لتحقيق مكاسب وهمية على حساب دماء السوريين ووحدة سوريا. والمطلوب ألا يتقدم الحل العسكري مجدداً على الحل السياسي بعد أن تعثرت صفقة جنيف الثاني ودخلت الأزمة السورية بازار المساومات الإقليمية والدولية.

Email