هل حان الوقت لمراجعة حقيقة العلاقات الأميركية الإسرائيلية؟

ينصحنا الفيلسوف البريطاني الكبير برتراند راسل بأنه: "من المهم في كل المسائل أن تطرح بين الحين والآخر علامة استفهام على الأمور التي لطالما اعتبرناها مسلمات".. لماذا إعادة قراءة مسلمات العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب هذه الأيام؟

السبب هو ما تكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي الأميركية NSA ولذا تساءل البعض: "هل كانت واشنطن تتجسس على تل أبيب أيضاً؟ ثم كيف لها أن تفعل ذلك وبينهما اتفاقيات لتبادل المعلومات الاستخباراتية غير مسبوقة؟

أخيراً كشفت صحيفة النيويورك تايمز عن أن واشنطن تجسست على أهداف عسكرية إسرائيلية في مقدمتها مواقع ومصانع الطائرات من دون طيار، ومشاريع الصواريخ "سبارو"، ناهيك عن التنصت والتجسس على وحدة التجسس الإسرائيلية الشهيرة (8200).

واشنطن لا تزال وكما تكشف من وثائق إدوارد سنودن تعتنق فكر القرصان الأميركي الأشهر "كابتن مورجان" الذي لم يكن يغير على السفن في البحار، بل يغير على سفن القراصنة العائدة من الإغارة، فيعلي من مكاسبه ويقلل من خسائره. هذا ما كانت تصنعه واشنطن.. تتجسس على وحدة التجسس الإسرائيلية الشهيرة، لتحصد في آخر الأمر مواد خام حصلت عليها الوحدة الإسرائيلية المختارة للتجسس.

هل تكشفت كل أبعاد تجسس واشنطن على تل أبيب؟

بالقطع ليس بعد، وربما هناك ما عرف ولم يكشف عنه، ومؤكد وجود عمليات لا أحد يعلم بها ولن يكشف عنها، غير أن المؤكد هو أن عمليات التجسس الأخيرة لم تكن مفاجئة لإسرائيل.. كيف ذلك؟

في تعقيب له على ما يجري، قال رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق "داني ياتوم": الأمر ليس مفاجئاً ولا هو بالشاذ.. أنهم يزرعون أجهزة تنصت بشكل هائل ودون حدود عندما يتنصتون على الدول الصديقة لهم، ومن يتنصت على المستشارة ميركل يتنصت على إسرائيل أيضاً وقادتها وجيشها.... هل يعني ذلك أن نتانياهو بدوره كان تحت أعين الأخ الأميركي الأكبر؟

المتحدث باسم البيت الأبيض "جاي كارني" رفض الإفصاح عن مزيد من المعلومات في هذا السياق، لكن ما يشاع عن أجهزة تجسس متطورة زرعتها واشنطن على سطح سفارتها في تل أبيب واستغلت في التنصت على كل أجهزة المحمول في إسرائيل وقراءة الرسائل والإيميلات والصور وأرقام الأكواد الشخصية ربما ترجح التنصت على نتانياهو بالفعل.

هل ثقة واشنطن في حليفتها وصنيعتها تل أبيب ناقصة غير مكتملة؟

حكماً أن هناك ملفات بعينها تزعج واشنطن والقوى الغربية من إسرائيل، وهي ملفات تتجاوز مسألة الصراع العربي الإسرائيلي أو الملف النووي الإيراني، وفي مقدمتها الترسانة النووية الإسرائيلية والتي تعلم واشنطن علم اليقين أن إسرائيل لم تحزها وتعظمها من أجل مواجهة العرب أو المسلمين، بل تحسباً وتحرزاً لليوم الذي سيفترق فيه الطريق بين الأصدقاء، ويجد الإسرائيليون أنفسهم بمفردهم في مواجهة الغرب في أوروبا أو أميركا وهي مسألة عقائدية سنحاول توضيحها.

ومن بين تلك الملفات أيضاً التجسس الإسرائيلي على واشنطن والذي يتضح في حالات كثيرة مثل قضية جوناثان بولارد المقبوض عليه في أميركا منذ منتصف الثمانينيات بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، إضافة إلى ملفات أخرى لم يعلن عنها مثل خلايا الموساد التي كانت تراقب صناع تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن.

ولعل الحقيقة المؤكدة هي أن الأميركيين في العقد الأخير باتوا أكثر استجابة للضغط على إسرائيل عندما يعتقد أن القيام بذلك سيكون في المصلحة القومية للولايات المتحدة.

خذ إليك على سبيل المثال دعم معظم الأميركيين جهود بوش الابن للتشدد مع إسرائيل في ربيع 2002، وقد وجد استطلاع أجرته "تايم سي. ان. ان" في 10-11 أبريل، إن 60% من الأميركيين شعروا بأنه يجب قطع المساعدة الأميركية عن إسرائيل أو خفضها إذا رفض شارون الانسحاب من المناطق الفلسطينية التي احتلتها أخيراً.= وفيما يتعلق بشارون وقتها وجد أن 35% فقط منهم انه أهل للثقة، بينما اعتقد 35% انه داعية حرب، و20% رأوا فيه إرهابياً، واعتبره 25% عدواً للولايات المتحدة.

هل نتانياهو عند الأميركيين أفضل من شارون؟

على هامش الذكرى السنوية الـ 62 لقيام إسرائيل في أواخر أبريل المنصرم، افتتح نتانياهو اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأسبوعي باستدعاء مقولة من مقولات صاحب فكرة إقامة وطن لليهود بنيامين هرتسل قال فيها: "لا تثقوا بمساعدة الغرباء، ولا تثقوا بالكرماء، ولا تتوقعوا أن الأحجار ستلين، لأن الغرباء يعطون الصدقات المهينة وعلى الشعب الذي يريد أن تكون قامته منتصبة أن يضع ثقته في نفسه فقط ".. من يعني نتانياهو بالغرباء الكرماء غير الأميركيين؟

إسرائيل بالنسبة للتيارات اليمينية والأصولية الأميركية ليست غاية بل وسيلة لتحقيق التنبؤات التوراتية وفي مقدمتها ألمجي الثاني والملك الألفي، ولهذا لا يثقون في الأميركيين بالمطلق، وقد أدركت واشنطن ذلك مما رجح عند كثيرين من ثقات "الوايت أنجلو ساكسون"، ان وقت انفصام عرى تلك العلاقة غير بعيد. يمكن لدولة بمثل غنى الولايات المتحدة وقوتها أن تثابر على سياسات متحيزة لبعض غير قليل من الوقت، لكنه لا يمكن تجاهل الحقيقة إلى الأبد.. تل أبيب تمضي عكس شهوات قلب واشنطن ولهذا وجب التنصت والتجسس عليها.