الأحزاب الإسلامية.. هل هي بديل مقنع؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد إيران تجربة طويلة تحت حكم الفقهاء تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، ويُحكم السودان منذ العام 1989 بوساطة حكومة ذات توجه «إسلامي»، أتت عن طريق انقلاب عسكري لقي دعماً ومؤازرة من جماعة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ حسن الترابي على حكومة شرعية ومنتخبة برئاسة الصادق المهدي، وتسلم حزب الدعوة السلطة في العراق قبل عقد كامل، وقامت «إمارة أفغانستان الإسلامية» بزعامة طالبان، لم تعمر سوى خمس سنوات (1996 2001)، ووصل إخوان مصر إلى السلطة لعام واحد لتطيح بزعامتهم ثورة شعبية عارمة.

ترى، بعد كل تلك التجارب في أقطار إسلامية وعربية، هل يمكن أن تقدم الأحزاب الدينية بديلاً واقعياً للأحزاب المدنية، بديلاً يخلق الوحدة الوطنية، ويشعر المواطن بأنه يعيش سيداً في بلده بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه وانتمائه السياسي؟

هل حققت هذه الأحزاب الإسلامية التي هي في السلطة تنمية شاملة تخرج بلادنا العربية أو الإسلامية من حالة التخلف والاعتماد على مصدر وحيد ناضب إلى اقتصاد متطور، كما هو في تجارب الغرب، أو على الأقل في تجربة ماليزيا، الدولة الإسلامية المدنية التي تحكمها قوى معتدلة؟

إن التجارب الفعلية والبرامج المكتوبة لا توحي أبداً بذلك، ولعل أولى المعضلات التي لم تستطع هذه الأحزاب حلها سواء كانت في السلطة أو المعارضة هي مسألة المواطنة التي هي ركن أساسي في بناء الدولة واستقرارها، ترى، هل مسيحيو إيران وسنتها، دع عنك الزرادشتيين (أصحاب الديانة الأصلية في إيران)، مواطنون على قدم المساواة؟ والشيء ذاته يقال عن العراق التي تشهد أعنف الاضطرابات والتفجيرات والتي أزهقت ولا تزال أرواح الآلاف من شعبه، هل تستطيع حكومة يترأسها نوري المالكي، زعيم حزب ديني هو حزب الدعوة، أن تقنع سنة العراق بأنهم مواطنون على قدم المساواة مع إخوتهم الشيعة؟

ولا نريد أن نذكر ما عملته طالبان أثناء حكمها القصير بالشيعة من اضطهاد، وبالسيخ الذين ألزموهم بأن يرتدوا ملابس خاصة تميزهم عن باقي المسلمين. ثم ماذا كان مصير تمثالي بوذا اللذين حطمتهما طالبان، رغم نداءات العالم للحفاظ عليهما كمعلم من معالم الثقافة الإنسانية؟ وألم يدع أحد أتباع السلفية الجهادية في مصر واسمه الشيخ مرجان سالم في ربيع الحكم الإخواني أنه سيهدم الأهرامات وأبو الهول، أسوة بما فعله طالبان؟

بالطبع، لا طالبان ولا هذا الشيخ السلفي يقدران قيمة هذه الآثار بالنسبة للعالم المتمدن، وهم لا يقيمون أدنى وزن لمشاعر أتباع هذا الدين، وهم بالتأكيد لا تدور في خلدهم فكرة السياحة والاستفادة من هذه الآثار لتنمية هذا المرفق الذي يمثل مورداً مهماً، خاصة لبلدين هما في أشد الحاجة لتطوير مصادر الدخل لديهما أياً كانت.

ولعل تجربة السودان مع المواطنة أشد مرارة وإيلاماً. فمع مزايدة جعفر النميري على تطبيق الشريعة الإسلامية في العام 1983 ومباركة الشيخ حسن الترابي وجماعته خطوته، كان من الواضح أن تلك الخطوة ستعطي مزيداً من المبررات لأهل الجنوب المسيحيين لمواصلة حربهم ضد الشمال، إذ شعروا بأنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.

ثم جاء انقلاب البشير المؤازر من قبل الترابي وجماعته من الإخوان المسلمين ليكتمل مشوار الحرب الأهلية وليؤدي، بعد مقتل الآلاف وحرب طاحنة استمرت أكثر من عقدين ونصف، إلى انفصال جنوب السودان عن شماله، وربما توضح تلك الحرب، وذلك الاستقلال خطورة ما تطرحه الأحزاب الدينية من شعارات على وحدة الشعوب العربية وعلى أقطارها، فكم قطر عربي ستتغير خريطته لو سارت الأحزاب الدينية فيه على ما رأينا في السودان؟ ألا نسمع هذه الأيام بتنظيم دولة العراق والشام (داعش) وأطروحاته وما فعله بالمسلمين والمسيحيين بالمناطق التي أصبحت تحت سيطرته؟ وهل ستحتفظ نيجيريا بوحدتها لو تمكنت جماعة بوكو حرام من السلطة فيها؟

أسئلة مهمة ومصيرية لابد أن نطرحها على هذه الأحزاب المتلبسة بالدين الإسلامي، فأطروحات هذه الأحزاب والجماعات لا يمكن أن تبني دولاً ينعم مواطنوها بالمساواة التي أضحت حقاً أصيلاً للإنسان في عصرنا، وهي حجر الزاوية في الاستقرار السياسي للدولة الحديثة.

Email