أميركا بين إيران وخيانة إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يبق من عقبة أمام الخطر (المفبرك أو المبالغ فيه) الذي تدعي الولايات المتحدة الأميركية بأنه يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بعد زوال القلعة السورية سوى إيران.

أفغانستان مسحت من الخارطة منذ زمن طويل بالرغم من استمرار بقائها كمكتب تصدير لمقاتلي القاعدة وأخواتها لا لضرب المصالح الأوروبية ولا لتحرير فلسطين وإنما لقتل المزيد من المسلمين، وحماس لم يعد لها وجود، أما حزب الله اللبناني فهو مشغول منذ شهور بالدفاع عن الحصون المتبقية لدى النظام السوري الآيل للسقوط، ولم يتبق إذن سوى خطر جمهورية إيران الإسلامية.

العقدة الإيرانية ليست بهذه البساطة التي يتحدث عنها إعلامنا العربي والذي يدعو أحياناً إلى حلها بقطعها من منتصفها بحد السيف كما فعل الإسكندر المقدوني، فهي معقدة إلى درجة أن التعامل معها يحتاج إلى كثير من الحذر والتريث، وكأنك تتعامل مع قنبلة موقوتة مصنوعة محلياً قد تنفجر في وجه من يحاول إزالة فتيلها، وللأسف ستكون دول المنطقة المحيطة أول المتضررين. ففي إيران لا يوجد هناك ما هو متوقع وما هو محتمل. لكن هناك دوماً ما هو غير متوقع.

والولايات المتحدة بالتأكيد بعد تاريخ طويل من الشد والجذب الذي مارسته مع الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ حكم الشاه إلى مصدق إلى الخميني إلى أحمدي نجاد ثم وصولاً إلى روحاني تعلمت الكثير من الدروس المفيدة. فمع بروز ظاهرة مصدق، لم تعد أميركا تصدق صحة تقارير عملائها واستخباراتها في إيران، ومع الخميني، لم تستطع حتى أن تخمن ما يمكن أن يصنع رجل في سنه يعيش في المنفى، ففوجئت به وبما جره من ويلات على المصالح الأميركية والغربية ما زالت آثارها باقية حتى هذه اللحظة.

وربما تمنت أميركا بعد زوال الخميني أن تهدأ أعصاب الإيرانيين ويعودوا إلى رشدهم وتعود إيران إلى ما كانت عليه في زمن الشاه المطيع الذي كان يدافع عن مصالحها أكثر من أي مواطن أميركي غيور. فظلت تحلم بطوق نجاة يرمى إليها لإنقاذ مصالحها في هذه الجمهورية المشاكسة، هذا الطوق الذي قد يعيد مجد أميركا القديم في بلد يستحوذ على ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي من النفط العالمي!

بيد أن وصول أحمدي نجاد بدد حلمها. فالولايات المتحدة لا تعيش فقط على الماء كالشعوب العربية بل على النفط ومشتقاته بالدرجة الأولى. فهي تحكم العالم بقوة تأتيها من هذه المادة السحرية التي تحرك كل شيء. وأكثر ما يزعجها خسارة دولة بحجم إيران وما تخزنه من نفط يمثل 13% من احتياطي العالم. وبعد انتظار 8 سنوات مرة وعاصفة من حكم أحمدي نجاد، جاءها الفرج على صحن من ذهب، وأراح بالها بحسن روحاني.

سواء أكان للأحداث الدامية في العالم العربي وبالخصوص في سوريا أثر على الشعب الإيراني في اختيار رئيسه الجديد، أم أن المعاناة المستمرة أوصلته إلى هذه النتيجة الحتمية لتطور الشعوب بحثاً عن الاستقرار وبعيداً عن الصدامات غير ذات الجدوى، أم أنها مجرد مناورة ذكية لرئيس يعرف قيمة ورقته لدى خصمه، فأياً كان السبب، إلا أنه يبدو أن إيران في نهاية المطاف في طريقها لإزالة آخر العقبات التي تهدد مصالح أكبر قوة اقتصادية في العالم.

ونلاحظ أن صفات الرئيسين حسن روحاني وباراك أوباما تتشابهان في البعد عن التعصب والحلم والصبر وسماع الآخر وهدوء الأعصاب ما أدى إلى سرعة التفاهم، تماماً كتقارب صفات أحمدي نجاد وجورج بوش التي تميزت بالعصبية وحدة الطباع ورفض الحوار، ما أدى إلى مزيد من التصادم.

خطوات قليلة متأنية وربما تسقط آخر عقبة تقف أمام غطرسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولا نبالغ إن قلنا أنه ربما في وقت قريب نسمع عن إعادة العلاقات بين البلدين على مستوى السفراء. وهذا ما أثار حفيظة عدوة إيران اللدودة: إسرائيل، التي رأت في هذه المغازلة الجديدة خيانة عظمى لها!

 

Email