هل سيرى مؤتمر «جنيف 2» النور؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام وخلف الكواليس وفي الأروقة السياسية حول انعقاد ما يسمى «مؤتمر جنيف 2»، وخاصة بعد ما تم إصدار قرار 2118 من مجلس الأمن، والذي يُلزم «نظام» بشار أسد التخلي عن أسلحته الكيميائية.

هذا القرار لعب دورا كبيرا في تحويل الأنظار، وحتى الأفعال، من التحضير للضربة العسكرية الأميركية إلى تحضير ما يسمى بـ «مؤتمر جنيف 2» لحل الأزمة السورية. المعنيون بهذا الشأن يعملون بوتيرة عالية، ويضربون الأخماس بالأسداس، ويخططون ويتشاورون ويناورون، بالرغم من أن لا أحد منهم يعلم متى وكيف سيتم انعقاد هذا المؤتمر، ومن سيشارك فيه؟

مبعوث الأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، صرح إلى وسائل الإعلام بأنه قد حصل اتفاق أميركي ــ روسي على شكل هذا المؤتمر. هنالك من يتكهن بأن يكون موعد انعقاد هذا المؤتمر في الشهر المقبل، وهنالك من يراه منعقداً في ربيع عام 2014، ومنهم من يجزم بأن «مؤتمر جنيف 2» لن يرى النور أبدا.

«نظام» بشار أسد يرى في «مؤتمر جنيف 2» فرصة لكسب الوقت، واستراحة لتنفس الصعداء. هذا «النظام» في الحقيقة لا يرغب في الذهاب إلى «مؤتمر جنيف 2»، ويخشاه كما يخشى الشيطان المعوّذات، لأنه يعلم بأنه لا مقدرة له على تطبيق أبسط بند من «وثيقة جنيف 1»، ولو كان فقط بند حق التظاهر، أي السماح للمعارضة في التظاهر دون أن تقوم رجالات النظام بحصد المتظاهرين بالرصاص الحي، كما حصل في حمص وحماة وفي مدن سورية أخرى. لقد أكد «النظام» مشاركته في هذا المؤتمر.

ولكنه اشترط على عدم مشاركة المعارضة المسلحة السورية، والتي يضعها في عداد المنظمات الإرهابية، وهو كذلك لا يعترف بأية معارضة أخرى إلا «المعارضة الداخلية» المنضوية تحت رعايته، والتي تعيش على فتاته ورحمته. «نظام» بشار أسد يصر على مشاركة إيران في هذا المؤتمر، وبنفس الوقت يريد استبعاد القارة الأوروبية كلها عن «مؤتمر جنيف 2».

الطاعة المفرطة التي يبديها بشار الأسد للقوى العظمى في تنازله عن السلاح الكيميائي أذهلت جون كيري، من وجهة نظر جون كيري، وبناء على ما تتطلبه مصلحة بلاده العليا ومصلحة حليفتهم إسرائيل، كان مدحه لبشار أسد غير مبالغ فيه، لأن بشار أسد و«نظامه» يقدمون لهم تنازلات كانت بالنسبة لهم شبه مستحيلة.

الدول العظمى لا يهمها عدد الأبرياء الذين سيسقطون ضحايا لهذه الحرب، ولكن ما يهمم هو فقط نزع السلاح الكيميائي. على بشار ورجالاته أن لا ينسوا ما حصل مع الرئيس صدام حسين، وهل قرأ بشار أسد ورجالاته ما قاله أبو طيبب المتنبي: إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظن بأن الليث يبتسم، وهل نسوا بأن محكمة الجنايات الدولية في لاهاي هي في انتظارهم؟

على المعارضة السورية أن توحد صفوفها وتتغلب على الشرذمة التي تعيشها الآن وتهيئ نفسها، لأنه من الممكن أن يتم إجبارها على المشاركة في «مؤتمر جنيف 2»، يجب أن يكون لدى المعارضة استراتيجية مزدوجة المسار، أي التفاوض والمقاومة بآن واحد، لأن ما تحققه المقاومة من مكاسب على أرض الواقع هي التي تستطيع أن تفرضها السياسة عبر المفاوضات. الفريق المفاوض يحتاج إلى طاقم كامل من مستشارين وخبراء مختصين في القانون والسياسة والجيش والدبلوماسية لكي يستطيع الرجوع إليهم في كل مرحلة من مراحل التفاوض.

على المعارضة السورية أن لا ترفض مسبقاً الذهاب إلى جنيف ولو كان ذلك من باب التكتيك أوالمناورة، وأن تتبع نفس أسلوب النظام الذي تعلمه من الكيان الصهيوني، أي في العلن يرحب بالمفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ولكن وفي الحقيقة هو يعمل على إفشالها. إذا رفضت المعارضة الذهاب إلى «مؤتمر جنيف 2» فستكون بذلك قد أعطت ذريعة لـ «النظام» يدعي بها أمام الرأي العام العالمي، بأنه هو الذي يريد الحل السلمي.

سينبثق عن «مؤتمر جنيف 2»؛ جنيف 3.. وجنيف 4، وسيكون مؤتمراً للمماطلة والتسويف بامتياز، ولن ينعقد من أجل حل الأزمة السورية في الدرجة الأولى، بل من أجل أن تدافع القوى المشاركة في هذا المؤتمر عن مصالحها الاستراتيجية،.

ومن أجل راحة ضمير زعامات الدول العظمى، التي تريد أن تبين لشعوبها وللعالم بأنها قامت بشيء ما من أجل حل الأزمة السورية. من المعروف في السياسة هو عندما يُراد إعاقة فكرة ما أو مشروع ما، فيتم تشكيل ـ لهذا الغرض ـ لجنة ما، فما بالك إذا أرادت قوى عديدة أن تعقد مؤتمرا حول أزمة معقدة مثل الأزمة السورية.

ولا أحد يعلم متى سينعقد هذا المؤتمر، وما هو شكله، وماذا يُحاك في الكواليس من مخططات تقسيم ومحاصصة؟ هل تتوقع أن يرى يوماً ما مثل هذا المؤتمر النور؟ أنا لا أتوقع ذلك، ولكنني لا أؤمن بشيء اسمه المستحيل.. حماك الله يا سوريا.

 

Email