أحمد العبيدلي من رموز الرعيل الأول في الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحمد العبيدلي، أحد الشخصيات التي كانت تمثل الرموز من رجال الرعيل الأول في تاريخ الإمارات السياسي في الثلث الأخير من القرن الماضي وحتى نهايته، وأحد كبار العاملين في فريق عمل المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في الوقت الذي وضع فيه الشيخ زايد زمام الأمور العامة في يده في أبوظبي، وفي الوقت الذي كانت توضع فيه اللبنات الأولى لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بعد تولي الشيخ زايد حكم أبوظبي، بسنتين اي في عام 1966.

وفي السنتين الأخيرتين 2011 و2012، وطرف من عام 2013، كنت أرى أحمد العبيدلي في أحيان كثيرة في لندن، أزوره في منزله أحياناً، وأراه أحياناً أخرى في المقهى الذي اعتاد التردد عليه في الأماكن المقابلة لمحلات هارودس، ورغم أنه كان مقعداً يأتي إلى المقهى على كرسي متحرك، لكنه كان كثير الحيوية وذا انطلاقة في الحديث وشكيمة في التغلب على ما يعانيه من أمراض، وآخر مرة تحدثت فيها مع العبيدلي كان في الشهور الأولى من هذا العام، في منزله في لندن، وكان في حديثه شيء من الملل من جلوسه لأيام في المنزل وعدم الخروج منه بسبب الثلوج التي تساقطت على لندن في بداية هذا العام.

وقد فاجأني خبر نقل العبيدلي إلى المستشفى، فهرعت لزيارته، ورأيت هناك ابنه نزار وابنته وزوجها، وكان العبيدلي مسجّى وفي حالة غيبوبة تامة يصارع دبيب العجز الذي يسري إلى أعضاء جسمه الواحد تلو الآخر، وفي المرة الثانية لزيارتي له في المستشفى وجدته قد استيقظ من الغيبوبة ولكنه كان في غيبوبة ذهنية لا يعرف ما يدور حوله.

وهكذا ابو نزار يجلس اليوم مقعداً في بيته، ينتظر أمر الله، وندعوه تعالى أن يكله بعين عنايته.. كان أحمد العبيدلي ضمن مجموعة من شباب البحرين، قدموا إلى الإمارات، وإلى أبوظبي بالتحديد في مستهل أعوام الستينات من القرن الماضي، وتم اختيار هؤلاء الشباب ليكونوا معاونين في أجهزة حكومة أبوظبي وفي برامجها العمرانية من أجل التحديث والبناء، .

وكان يومها يندر وجود إماراتيين يصل مستوى تعليمهم، مستوى هؤلاء البحرينيين الذين كانوا كما هو معروف حينئذ اكثر الخليجيين تأهيلاً في التعليم الأكاديمي الحديث.. وعندما تولّى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد أمور أبوظبي عام 1966، كان أحمد العبيدلي يقود فريق العمل وكان يعمل في الوقت نفسه مستشاراً خاصاً للشيخ زايد لاسيما في أمور الاتصالات السياسية مع الممثلين الأجانب.

وكذلك الاتصالات التشاورية مع الشركات الأجنبية التي أنيطت بها مشروعات التنمية والبنية التحتية لأبوظبي . وبالرغم من الثقافة العامة التي كان العبيدلي يتمتع بها بين أقرانه من العاملين في فريق عمل الشيخ زايد، لكنه لم يكن ذلك السياسي المجّرب المراوغ الذي تستدعي أمور السياسة أحياناً أن يكون المشتغل بها قادراً أن يلجأ إليها إذا اقتضت الأحوال.

وكانت الأحوال بالفعل تتطلب مثل هذا التحفظ والمسايرة السياسية في وقت كانت اللبنات الأولى للتغيير العام بات وضعها وشيكاً، وبدت في الأفق البوادر لقيام كيان سياسي جديد في هذه البقعة من أرض الإمارات العربية، وكان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد وشخصيته الجاذبة للاهتمام، لاسيما عندما تولى أمر إمارة أبوظبي عام 1966، محور مشروع التغيير الذي كانت الإمارات تنتظره بعد إعلان الانسحاب البريطاني الرسمي عام 1968.

وبالرغم من أن أحمد العبيدلي لم يكن ذلك الشخص الذي كان محط مشروع الشيخ زايد البنيوي الأول والأخير، بفضل ما كان يتمتع به الشيخ زايد نفسه من حنكة فطرية ويعرف كيف يجابه الأمور ويفك عقدها أكثر من المستشارين.

لكن العبيدلي كان عضواً يستعين به الشيخ زايد في إيصال أفكاره ومراميه إلى الانجليز وإلى الوفود الأجنبية التي كانت تتوافد وتتزاحم للوقوف على ما يجري في هذه البقعة الخليجية الجديدة من تخطيط مستقبلي، لما كان العبيدلي عليه من الدراية وسعة المعلومة العامة وإجادة الإنجليزية التي لم يكن هناك من أهل الإمارات من الجيل القديم الكثير ممن يجيد التحدث بها في ذلك الوقت.

ولذلك تم الاعتماد الكلي على الوافدين العرب من مستشارين في الشؤون المختلفة، وكانت أبوظبي من السباقين إلى الاستعانة بالخليجيين في عهد المغفور له بإذن الله الشيخ شخبوط بن سلطان،الذي طلب مجموعة من البحرينيين المتعلمين تعليماً مدنياً، وأعطيت لهؤلاء فرص تطوير الادارات المحلية في مستهل الستينات من القرن الماضي، وميزة هؤلاء البحرينيين أنهم كانوا اكثر ملاءمة اجتماعياً للبيئة الإماراتية.

واكثر الوافدين العرب تأهيلاً للاندماج في المجتمع الإماراتي. وكان العبيدلي اكثر مستشاري الشيخ زايد ومعاونيه عملاً في الأدوار التي تلت التغييرات في أبوظبي وكذلك المشروع الخاص بالبدايات لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن عموم دوره في رأيي الشخصي لم يكن تكتيكياً ينبع عن فكر سياسي واضح وكان ناقلاً للأفكار اكثر من ابتداعه إياها وسبب ذلك قلة التجربة التي لم تكن واسعة حينئذ في المجتمع الخليجي بصفة عامة..

وباتساع مجال شؤون الدولة الجديدة " الإمارات"، وتداعيات الأمور من سلبية وإيجابية على حد سواء في السنوات الأولى لقيام الدولة، لم يستطع أحمد العبيدلي أن يكون مسايراً وملائماً ومتابعاً للتيار السائد.

ودخلت في الشأن السياسي والإداري عناصر جديدة من مواطني الإمارات كسبت شيئاً من التعليم النظامي وحرصت على توزيع الأدوار في ظل حماس جديد مشبع بالروح القومية الراديكالية، معتقدة أنها أكثر التصاقاً بالشأن الوطني الفئوي وبالجذور الائتمانية أو هكذا دلت خطتها، وأصبح العبيدلي وأمثاله من المستشارين السابقين من ذوي أدوار محدودة وضيقة، ونقل العبيدلي مثلاً إلى السفارات في الخارج، وكانت سفارة لندن محط رحاله عام 1974.

وظن العبيدلي يومئذ، أنه سيكون سفيراً للإمارات في بريطانيا، وكان يتوق إلى هذا المنصب، ولكن المحاصصة السياسية بين الإمارات والتي املتها ظروف تلك الأيام حالت دون ذلك، وبقيت وظيفة العبيدلي غير واضحة ومعلومة، وهو في الوقت نفسه كان على غير وئام ومسايرة مع السفير الجديد الذي تعيَّن عن طريق المحاصصة.

وترك العبيدلي منصبه في السفارة، ولكنه بقي في بريطانيا مديراً للمكتب الخاص لأبوظبي لفترة، ثم بدون وظيفة معينة، متردداً بين أبوظبي ولندن حتى هذه الأيام. وكان أحمد العبيدلي يعترف بفضل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد عليه، ورعايته له في سائر أيامه، وحتى هذه اللحظة..

والحقيقة التي لا بد من الاشارة اليها أن أحمد العبيدلي لعب دورا في حقبة من تاريخ الإمارات، وعاصر عن قرب ثلاثة حكام لأبوظبي التي جاء إليها قادماً من البحرين، في بداية عهده وشبابه، المغفور لهما بإذن الله الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان حفظه الله ورعاه. والذين عاصروا تلك الحقبة مع أحمد العبيدلي واشباهه من كبار موظفي الدولة يتذكرون أنها كانت حقبة مليئة بالنشاط السياسي ذي الشد والمد،.

والأخذ والعطاء، وما رافق هذا الشد والمد والأخذ والعطاء من السلبيات الكثيرة والايجابيات الكثيرة. ونحن الآن على مشارف انتهاء هذا العام 2013، أي أنه قد مر على اتحاد الإمارات قرابة اثنين وأربعين عاماً، وهذه الأعوام وإن كانت غير ضاربة في أعماق العراقة التاريخية لكنها بالنسبة لهذه الأرض التي نعيش عليها نقطة انطلاق نحو بناء الدولة الحديثة والمجتمع الانساني الحديث ونحو الاصرار على توفير العيش الكريم للانسان الذي يعيش على هذه الأرض الطيبة.

 

Email