«إجازة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا؟ إجازة؟" قالها الزوج بعصبية. فالعمل أصبح شغله الشاغل. والكمبيوتر المحمول يلازمه أينما ذهب. صحيح أن الكثير منكم سينفي وجود فئة لا تحب الإجازة. لكن الواقع عكس ذلك!!

«الإدمان» سلوك إنساني معروف ومرفوض في كل المجتمعات، سواء أكان هذا الإدمان على المخدرات والكحوليات، أم غيرهما مما يتسبب في إفقاد الإنسان السيطرة على حياته ويجعله عبداً لعادة تمتلكه وتسيّر حياته بدل أن يكون سيد نفسه، ومع هذا فإن هناك أنماطاً أخرى من الإدمان التي قد لا يقابلها المجتمع بالرفض كالأنماط السابقة مع أنها تتخفى في حياتنا اليومية وتقود المصاب بها إلى النتيجة نفسها كإدمان العمل.

أم محمد تشكي إدمان زوجها على العمل لساعات طوال، يهمل خلالها بيته وأبناءه بحجة أن عمله يتطلب منه كل هذا، وأنه يعمل من أجل تأمين مستقبل الأسرة في نهاية الأمر، لكن تقول «طفح بي الكيل عندما جاء موعد عطلته وقرر أن يتنازل عنها ويتركنا نسافر من دونه، أعرف أنه يحب عمله كثيراً لكن هذا غير طبيعي فهناك من هو مجتهد في عمله ويقضي مع عائلته أوقاتاً سعيدة أكثر منه».

تقول آخر الدراسات إن إدمان العمل ليس مشكلة شائعة كثيراً في مجتمعاتنا العربية، وإن كانت موجودة، وهي أكثر شيوعاً في مجتمعات أخرى مثل اليابان والدول الغربية. وتضيف «أولاً هناك صفات عامة يجب التنبه لها عند إطلاق وصف (مدمن على العمل) حتى لا تختلط الأمور، فليس كل شخص يهتم بعمله ويجتهد أن يقدمه بالشكل المطلوب يعاني من مشكلة بطبيعة الحال.

ولكن إدمان العمل هو حالة مرضية عندما يفقد الشخص السيطرة على كل جوانب حياته ويقضي يومه كاملاً منذ أن يستيقظ وحتى يخلد للنوم وهو غارق في العمل على حساب صحته وعلاقاته العائلية والإنسانية، وهو يشعر خلال هذا كله بالقلق والتوتر العصبي لإحساسه بأن كل ما يبذله ـ رغم اجتهاده ـ هو غير كاف».

وتضيف الأبحاث «المفارقة المضحكة أن غالبية الموظفين يفرحون كثيراً بالإجازة ويعتبرونها مكافأة مستحقة لهم، إلا الأشخاص المدمنين على العمل فإنهم يتعاملون مع العطلة كعقاب لهم، ويحاولون بشتى الطرق تفادي هذا العقاب، وهم يخترعون مبررات عديدة وأسباباً كثيرة حتى لا يذهبوا في إجازة».

وتشرح الدراسات سبب الرغبة الملحة لمدمن العمل في الانغماس فيه كلياً بأن نقصاً في شخصية المدمن على العمل يدفعه إلى الغرق أكثر فأكثر فيه، وكلمات الإطراء التي يسمعها من رؤسائه في العمل، وإحساسه بأهميته تشبع لديه هذا النقص تشكّل الحطب الذي يشعل فيه هذه الرغبة، وبالتالي فإنه يصبح خائفاً مع مرور الوقت بأن يحتل مكانه شخص آخر أو يتبين لرؤسائه في العمل بأنه يمكن الاستغناء عنه، وأن ما يقوم به يمكن لأي كان أن يقوم به، وحينها تفلت الأمور من يديه ويصبح غير قادر على موازنة جوانب حياته الأخرى.

وتحذر الأبحاث مدمني العمل بأن سلوكهم إن لم يتم تداركه وتعديله يعرضهم لمشكلات صحية ونفسية خطيرة، من أهمها التوتر في العلاقات العائلية والتحول إلى شخصية مستحوذة ومتسلطة يصعب التعامل معها وإرضاءها ما يجعل الجميع يتحاشاها بدءاً بزملاء العمل والأصدقاء ليصل الأمر إلى أفراد العائلة والمقربين في مرحلة لاحقة.

وعلى صعيد الصحة فإن ارتفاع ضغط الدم، والصداع المزمن واضطرابات النوم المزمنة، واضطرابات المعدة، كالقولون العصبي والقرحة.

والتغير في الوزن، والتعب والإرهاق الدائمين هي أعراض لا بد أن يعرفها مدمنو العمل. أما أهم النصائح للمصابين فهي تجديد علاقاتهم الإنسانية وتعميقها عن طريق قضاء المزيد من الوقت مع العائلة والأصدقاء، على ألا يتم تناول الموضوعات المتعلقة بالعمل خلال هذه اللقاءات مطلقاً، وإغلاق أجهزة الهاتف المحمول خلال هذه الأوقات إلزامي، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة بانتظام ولو لمدة نصف ساعة يومياً، والاسترخاء لفترة مماثلة.

وبما أننا مقبلون على إجازة طويلة ومناسبة عظيمة، فهي فرصة لمدمني العمل لإعادة ترتيب أوراقهم وجعل العمل وسيلة وليس هدفاً لتحقيق الإنجازات والأمنيات. وكل عام أنتم بخير..

 

Email