تعزيز الانتماء والولاء المؤسسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقرر لي زيارة الولايات المتحدة الأميركية ضمن وفد المؤسسة التي أعمل فيها، صعدنا الطائرة التابعة لإحدى شركات الطيران المحلية، في رحلة مباشرة إلى مطار جون كنيدي في ولاية نيويورك، لنواصل بعدها الرحلة إلى مدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا، على متن طائرة تابعة لشركة الطيران الأميركي.

بطبيعتنا كمتعاملين، عندما نستقل الطائرة نبدأ بتقييم مستوى جودة الخدمات التي تقدمها شركات الطيران، مستندين في ذلك على المقارنة بين شركات الطيران المختلفة، وفي أغلب الأحيان يُنصّب البعض إحدى شركات الطيران كنموذج مثالي ومعيار للمقارنة مع البقية.

بعيداً عن المجاملات والانحياز، شكّلت طيران الإمارات في السنوات الأخيرة النموذج المثالي لتلك المقارنات، حيث تُعتبر خدماتها الاستثنائية الأفضل من بين شركات الطيران العالمية، ما دفعني إلى التوقف عن إجراء مقارنات يائسة، والبحث في مجالات التميز غير الملموسة لشركة الطيران الأميركي، على سبيل المثال لا الحصر، الاستراتيجيات التي يصعب في الغالب على المتعامل العادي قياسها أو ملاحظتها.

فالمؤسسات بطبيعتها تتفاوت في درجة استيفائها لمتطلبات الإدارة الاستراتيجية الناجحة، حيث يعتبر القطاع الخاص الأوفر حظاً من بين المؤسسات التي تتميز في عمليات التخطيط الاستراتيجي. وبعيداً عن أدبيات التخطيط ونظرياته، ما يهمنا كمتعاملين أو محللين هو الانعكاس والأثر لتلك الاستراتيجيات على المؤسسة ومتعامليها.

في الواقع، لمست انعكاساً لوجود استراتيجية ناضجة لدى شركة الطيران الأميركي، من خلال عرض الفيديو التقديمي للرحلة، وبالتحديد تلك المتعلقة بتعزيز ثقافة المشاركة وتعزيز الولاء لدى العاملين بكافة مستوياتهم الوظيفية.

حيث بدأ العرض بعبارة ترحيبية لرئيس الشركة، تلاه أحد المسؤولين في قطاع الأمن مؤكداً على إجراءات الأمن والسلامة التي تطبقها الشركة، ثم قبطان الطائرة الذي تمنى رحلة ممتعة ومريحة للمسافرين، لينتقل الحديث بعدها إلى أحد العاملين في ورشة الصيانة، مرتدياً زي العمل وهو يقوم بمهامه في إجراء الصيانة الدورية لأحد المحركات، ليختتم العرض بالمضيفة الجوية وهي تقوم بشرح إجراءات السلامة على متن الطائرة.

وعلى الرغم من بساطة التطبيق، لكنه دون شك سيترك أثراً إيجابياً كبيراً لدى العاملين، وخاصة عندما يشعر العامل بأنه جزء من المؤسسة، وأن مؤسسته فخورة به وبعمله، أياً كان مستواه الوظيفي.

فالولاء والانتماء الوظيفي يتأصلان من خلال ربط الأهداف الشخصية والمهنية للعاملين مع أهداف المؤسسة، وهما يحتاجان إلى بيئة حاضنة ومشجعة لنموهما وانعكاسهما في سلوكهم، فالعاملون في أي مؤسسة يمتلكون أهدافهم وقيمهم الخاصة بهم، والتي قد لا تتوافق مع أهداف وقيم المؤسسة، مما قد يؤدي إلى حدوث تعارض مصالح بين العاملين والمؤسسة.

من هذا المنطلق تأتي أهمية تعزيز الولاء والانتماء في تكوين الألفة والتكامل بين الطرفين، فهو اعتقاد راسخ وقبول من جانب العاملين لأهداف المؤسسة، ورغبة واضحة في بذل أكبر جهد ممكن لصالحها، مع رغبة قوية بالاستمرار في عضوية هذه المؤسسة، كما أنه يتجلى على شكل شعور يتولد لدى العاملين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُفرض عليهم.

ويتم ذلك بتطبيق سياسات واضحة وممارسات فعلية على أرض الواقع، تجعل العامل ينقاد انقياداً لا شعورياً نحو مؤسسته، لينتمي إليها بروحه وعقله قبل جسده. فالموظف يشعر بأنه جزء من المؤسسة التي يعمل فيها عندما يكون مشاركاً في عمليات التخطيط ورسم التوجهات، ليبدأ بعدها وبحرص المساهمة في عمليات التطوير وتطبيق تلك الخطط والتوجهات، فتذوب تلك المقاومة للتغيير وتتحول إلى دعم وتفانٍ لإنجاح تلك المشاريع.

فالمشاركة لن تتأتى بإبقاء الموظفين المجتهدين خلف الكواليس، بل بالدفع بهم إلى الواجهة، وإطلاق العنان لطموحاتهم لتُحلّق في فضاءاتها، وتُعبّر عن ولائها وانتمائها للمؤسسة فتعيش ذلك الولاء وتعايشه، وبهذا تتحول معها الرؤى والاستراتيجيات من مجرد حلم، إلى واقع ملموس.

 

Email