بدأ النزاع السنوي حول الميزانية الفيدرالية الأميركية، ويريد الجمهوريون تقليص العجز فيها، وأن يخفضوا الاعتمادات التخصصية لبرنامج "ميد كير" والضمان الاجتماعي وغيرهما من الخدمات الحكومية، بينما يعطلون أو يقضون على قانون العناية القابلة للتغطية، الذي سيبدأ سريانه بالكامل اعتباراً من أكتوبر المقبل.

وهم على استعداد لإزعاج الملايين من الأميركيين، ولكن كما هو معتاد، فإن برنامجاً حكومياً يهدر ملايين الدولارات كل عام، من المؤكد أنه سيمضي قدماً في مسارات الكونغرس دونما تساؤل أو انزعاج. وهذا البرنامج يتمثل في المخصص السنوي للوكالة الأميركية للتنمية، لإنفاقه على برامج المساعدة في أفغانستان.

ويوضح مثال واحد من تقرير المدقق الأميركي، مدى عبث القيام بذلك. فحتى الآن، اعتمدت الوكالة في ميزانياتها نحو 236 مليون دولار لوزارة الصحة العامة الأفغانية، لكي تدفع رواتب الأطباء وتكاليف حملات التطعيم ورعاية ما قبل الولادة والمستشفيات، ضمن خدمات صحية أخرى، وتندرج جميعها تحت برنامج يسمى "عقود الشراكة الصحية"، ولكن الوكالة لا تفعل الكثير، إن فعلت أي شيء على الإطلاق، للتأكد من أن هذه الأموال تنفق على الوجه الأكمل والصحيح.

وقد أصدر المفتش العام لإعمار أفغانستان، تقريراً إثر آخر حول هذه المشكلة وغيرها من المشكلات المماثلة عاماً بعد آخر، بما في ذلك هذا التقرير الجديد الذي نشر على الملأ قبل أيام.

وكما هي الحال على الدوام، فقد كانت استجابة الوكالة هي الرفض المستفز حتى لمجرد الإقرار بوجود مشكلة. وإجمالاً فقد قالت إن المفتش العام لم يبرهن على أن أياً من الأموال التي أنفقت في أفغانستان قد سرقت بالفعل، وهذا في دولة ترتبط مع أفغانستان وكوريا الشمالية في حمل اللقب الذي لا تحسد عليه، وهو "الدولة الأكثر فساداً على سطح الكوكب".

يأتي ذلك الترتيب من مؤشر الشفافية لمفاهيم الفساد الدولي. وفي أفغانستان، تشير الأدلة المتاحة إلى أنك إذا كنت تفترض أن أموالك تسرق، فإنك في 99 حالة من كل 100 حالة ستكون على صواب. وكما هي الحال بالنسبة لبرامج عقود الشراكة هذه، فإن بعض الأموال تنفق نقداً، ما يعني أنه لا وجود لمحاسبة محتملة، وجانب كبير من الباقي يودع في مصرف أفغانستان المركزي، الذي ذكر أن 4.6 مليارات دولار على ألأقل قد سحبت وأخرجت من أفغانستان في ربع عام الأخير.

ألا يرى مسؤولو الوكالة أي شيء، ولو بشكل محدود، في هذا كله؟

ولكن في تقرير المفتش العام، قالت الوكالة مجدداً، إنها "تأخذ استثناء قويا" بخصوص "أي افتراض أن هناك مخاطرة عالية بإساءة استخدام الأرصدة المالية" في برنامج الرعاية الصحية. ويعود ذلك لأن التقرير "لا يقدم أدلة" على أنه "كانت هناك حالات من الإهدار أو الغش أو إساءة الاستخدام".

وعندما سئل المفتش جون سوبكو عن ذلك، ابتسم وهو يقول: إن هذا يشبه القول "لقد عثرنا على جثة جيمي هوفا، فكيف تعرفون أنه ميت؟".

ويشير التقرير كذلك إلى أن مكتب سوبكو قد أصدر تقييماً مماثلاً لبرنامج الرعاية الصحية في إبريل 2012، وأنه حتى في ذلك الوقت، فقد "حدد عجوزات داخلية يعتد بها في السيطرة على الأرصدة الأميركية" المقدمة لبرنامج عقود الشراكة، "والتي تضعها في ظل المخاطرة بالإهدار والغش وإساءة الاستعمال".

وقد وصل المفتش العام لوكالة التنمية نفسها إلى نتيجة مماثلة في 2010، حيث قال إن ضوابط الفساد في الوكالة غير مناسبة، وإن هذه الضوابط تتألف من الملاحظات الشخصية والجولات ومراجعات الوثائق. والآن بعد ثلاث سنوات من ذلك، يوضح التقرير الجديد أنه لم يتم القيام إلا بالقليل، هذا إذا كان قد تم القيام بأي شيء على الإطلاق.

في الحقيقة، فإن المتحكم المالي في وكالة التنمية الأميركية في أفغانستان قد أبلغ المدققين بأن وكالته "لم تأخذ أي خطوات لتحديد ما إذا كانت وزارة الصحة الأفغانية قد قامت بأي شيء وعدت به لمحاربة الفساد، أو ما إذا كانت أي خطوات اتخذتها الوزارة قد برهنت على فعاليتها". وقد دفع هذا بالمفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، إلى القول: "من منظورنا فإن هذا إهمال جسيم في إدارة الأموال التي يدفعها دافع الضرائب الأميركي".

وفضلاً عن ذلك، فقد أوصى بألا تقوم وكالة التنمية بتقديم أي أرصدة أخرى لبرنامج الرعاية الصحية. وبالطبع فإن هذا يتوقف على الكونغرس الذي يتلقى هذه التقارير، كما أنها ترسل أيضا لوزير الخارجية ولمسؤولين حكوميين آخرين، فلماذا إذن يواصل مجلسا الشيوخ والنواب الموافقة على هذه المصاريف التي تتضمن إهدارا مؤكدا؟ تتباين الآراء حيال هذا السؤال، لكن رأيا من بينها سمعناه في واشنطن مؤخرا، يبدو معقولًا: إذا كانت حرب أفغانستان تعتبر فشلا، وهو الأمر الذي يبدو محتملًا على نحو مخيف، فإن الكونغرس سيكون بمقدوره أن يقول: هذا ليس خطأنا، لا تلومونا، لقد أعطيناكم كل المال الذي طلبتموه! وهكذا، فإن أعضاء الكونغرس لكي يغطوا على ما قاموا به، يلقون النقود بعيداً، بينما يبذل الجمهوريون قصارى جهدهم لإلغاء تغطية الرعاية الصحية وكوبونات الغذاء وامتيازات التقاعد بالنسبة إلى معظم الأميركيين.. إنهم ينبغي أن يشعروا بالخجل من أنفسهم.