خيال سياسي لمعارض سوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يرى أحد الساسة السوريين المعارضين والمناضلين الذين اعتقلوا أكثر من مرة، وأمضوا سنوات في المعتقلات، أن الوضع السوري الآن يواجه طريقاً مسدوداً ونفقاً لا نهاية له. فلا السلطة التي تملك السلاح والمال والدعم الاستثنائي من بعض الدول، قادرة على حسم الموقف عسكرياً وسياسياً لصالحها، مهما امتلكت من أسلحة واستمرت في ممارسة أقصى درجات التدمير والقتل والاعتقال، ولا المعارضة بدورها قادرة على إسقاط السلطة عسكرياً، مهما تم تزويدها بالسلاح النوعي وغير النوعي.

 وبالتالي فإن الأزمة السورية قد تستمر سنوات على هذا المنوال، حتى يدمر الشعب السوري قطاعه العام وقواه العسكرية ومساكنه ونسيجه الاجتماعي ودولته، ويتحول إلى فئات مسلحة متنافرة، وتصبح دولته دولة فاشلة تتناهبها القوى المسلحة من أهل النظام ومؤيديه، أو من أهل المعارضة وفئاتها المسلحة العديدة.

وفي الحالات كلها فإن الشعب السوري، كما هي العادة، سيدفع ثمناً غالياً، كما أن مخاطر نقل الصراع إلى دول مجاورة هي مخاطر قائمة، وبالتالي فإن الفوضى (غير الخلاقة) في سوريا هي الأكثر احتمالاً في المستقبل. وفي نظر محدثي فإن فرضية تزويد المعارضة بالسلاح لإحداث التوازن مع قوات السلطة، لن تستطيع أن تحسم الموقف عسكرياً. وعلى كل حال فإن كل ما يعمل له أصدقاء المعارضة هو فقط إحداث التوازن مع النظام عسكرياً لتحسين شروط المفاوضات، في الوقت الذي تصر روسيا على دعم النظام بالسلاح المتطور، وتصر إيران على تقديم الدعم الاقتصادي والسماح لمن يسمونهم متطوعين بالذهاب إلى سوريا لنصرة الجيش السوري، كما شجعت السياسة الإيرانية العراقيين وأمرت حزب الله بالتدخل.

وفي الخلاصة يرى صاحبنا أن الحسم العسكري أصبح متعذراً، والنصر لن يكون في متناول أي من الطرفين، وأن القول بالتوازن لتسهيل الحل السياسي، هو مجرد خدعة مهمتها إطالة زمن الحرب واستكمال تدمير البلاد.

كما أن انتصار النظام عسكرياً سيزيده عسفاً وصلفاً، وانتصار المعارضة المسلحة سيضع أمامها مهام كبرى على رأسها طرد المتطرفين المسلحين من سوريا، وهذا لا يتم إلا بحرب دامية.

وعليه فإنه ما من حل معقول، في رأي صديقي المعارض، سوى إقرار وصاية من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن على سوريا، تستطيع تنحية النظام والمسلحين وإعادة بناء سوريا بناءً جديداً، بدءاً من إقرار الدستور والقوانين، وصولاً إلى التحالفات السياسية والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الجيش والقطاع العام، لتهيئة المناخ لحكم ديمقراطي، يقرر الشعب السوري من خلاله مصيره، ويحدد مستقبله، ويحافظ على بلاده، ويستطيع تفكيك الفصائل المسلحة المتطرفة وطردها خارج البلاد، واستيعاب المعارضة المسلحة في الجيش السوري الذي سيعاد تشكيله وتغيير مهماته.

وربما كانت هذه الوصاية الأممية هي الوحيدة القادرة على الحفاظ على البلاد والمؤسسات المدنية والعسكرية وعلى الدولة، وإبعادها عن أوحال الطائفية والمحاصصة والصراعات الداخلية، في الوقت الذي تساعد على الخلاص من النظام القمعي القائم، الذي لا ينبغي أن يكون له دور في مستقبل سوريا بعد الممارسات الوحشية التي ارتكبها.

إن هذا لا يعني البتة، في نظر هذا السياسي والمناضل السوري المخضرم، تدخلاً أجنبياً لدولة ما أو لمجموعة دول خارج الشرعية الدولية، ولا خضوعاً للقوات المتدخلة، وإنما هو مساعدة من المجتمع الدولي ومجلس الأمن، على إنهاء المأساة السورية التي لا يوجد أفق يشير إلى نهايتها.

وعلى ذلك فإن طلب الوصاية، إنما هو طلب مساعدة أممية نظامية، لن تكون لأي دولة فيها لوحدها القوة الفاعلة، وإنما يكون الأمر لمجلس الأمن والأمم المتحدة وللجامعة العربية.

بعد الحرب العالمية الأولى وجدت دول العالم وشعوبه نفسها أمام عالم أقرب إلى الفوضى، فقد تداعى نظام العالم الذي كان قائماً قبل الحرب، ولم يولد العالم الجديد الذي جاء بعدها، كما أن المرحلة الاستعمارية (الكولونيالية) التقليدية أصبحت على وشك التداعي.

وكانت هناك حاجة جدية لدى دول الاستعمار الأوروبي القديم لتطوير وسائل الاستعمار وأساليبه لإطالة عمره، بعد أن أصبح الاحتلال الأوروبي المباشر لشعوب إفريقيا وآسيا يشكل عبئاً ثقيلاً على المستعمر، وكان لا بد من مساعدة الشعوب المستعمرة لتكون لها دولها وكياناتها ومفاهيمها الجديدة، خاصة بعد انتصار الاحتكارات البريطانية والفرنسية وانهيار الاحتكارات الألمانية، إضافة إلى أن الخوف الأوروبي من الثورة البلشفية وتهديد التوسع الأميركي للاستعمار الأوروبي، أدى بالدول النافذة لتشكيل ما أسمته "عصبة الأمم"، وتكليفها صلاحيات الإشراف على تطور الشعوب ووضعها تحت الوصاية تمهيداً لاستقلالها.

وقد وُضعت دول جديدة وشعوب عديدة تحت وصاية الدول الأوروبية الكبرى، على أمل أن تساعدها على بناء الدولة المستقلة.

وتوزعت الدول الكبرى الوصاية، وكان من المبررات الرئيسة لذلك أن الوصاية تثبِت الدول الجديدة وحدودها، وتمنع تقاتل فئات شعوبها فيما بينها، وتطبق معايير الدولة الحديثة عليها. وقد نجحت هذه السياسة جزئياً في بعض البلدان، وفشلت في بلدان أخرى، شأن مختلف السياسات الجديدة في العالم.

فهل يضطر قصر نظر النظام السوري وعدم شعوره بالمسؤولية واستسهاله القمع والقتل والتدمير، وعدم فاعلية المعارضة، إلى العودة للاحتماء بخيمة الوصاية الدولية؟ والأسوأ من ذلك اعتبارها مخلصاً؟

إنها، على أية حال، وجهة نظر معارض سوري، يصعب اتهامه بقصر النظر السياسي أو التشكيك في وطنيته وحبه لشعبه، وكثيرا ما حل الخيال السياسي أعقد الأزمات.

Email