أسلمة الاقتصاد الإسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حقيقة الاقتصاد الإسلامي اليوم هو أسلمة شكلية للاقتصاد الرأسمالي والشيوعي إلى حد كبير، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، وليس هذا ذريعة لتركه لكن إنما هو دعوة للكمال بالبيان وتصحيح ما كان. فالنسق الموجود لا يخدم في حقيقته عدا الاقتصاد الرأسمالي بشكل خاص ولا ينافسه في حقيقته كما هو مفترض به أن يكون بطبيعة الحال.

فمثلا إذا نظرنا إلى الاقتصاد الرأسمالي، فإنه يختلف في مقاصده وقواعده عن الاقتصاد الإسلامي وليس في نظرياته فقط، فلا تفيدك النظرية إلا شكليا إذا اعتمدت على قواعد مغايرة للأصول والقواعد الإسلامية. مثلا اليوم عندنا اقتصاد إسلامي حديث في البلاد الإسلامية، قائم بعمر البنوك الاسلامية إذا صح التعبير.

فإذا قلت لك ما هو الاصطناع وما هو التوريق وكيف يكون البيع بالخيار ومتى يكون لازماً، لن تجد الكثيرين يعرفون الإجابة من التجار، والذين يفترض بهم أنهم طرف بهذه الأعمال بشكل يومي، وبين قوسين في حياتهم وتجارتهم ومعاملتهم الإسلامية ضمن خارطة الاقتصاد الإسلامي افتراضياً.

نذهب أبعد من هذا قليلا، هل نظرنا إلى البنوك بوضعها الحالي بالقواعد في منظومة الاقتصاد الإسلامي؟ هل دورها هو الإقراض و جني الأرباح الطائلة فقط؟ لماذا هي قائمة على منتجات متأثرة بمعاملات التضخم للنظام العالمي وهل يمكن تغير ذلك؟ هل المؤسسات النقدية تم النظر فيها بمنظور القواعد الإسلامية؟ هل عندها النقد الذي بحساب العملاء على الحقيقة أم أرقام في الهواء تعرض وتبيع ما لا تملك؟

حقائق الأمور ليست بظواهرها إنما بجواهرها، فكم يستلزم من الأمر حتى نأخذ بزمام المبادرة في تنقيح العلوم بالقواعد لا بالشكل في مختلف شؤون حياتنا الاسلامية. فهناك اليوم من جعل هذه الأمة تعيش محبوسة في باب الطهارة، ومشغولة بأمر النقاب، و تقلب الفتاوى بين حلال وحرام. ويوجد للأسف هناك من أقحم الاقتصاد الإسلامي في السياسة وخلط الأوراق لتحقيق مصالح آنية، ودعم أفكار لا يعرفها العلماء الراسخون في العلم. فما كان هذا إلا لجهل هؤلاء وهؤلاء بعلوم وكتب وقدر من سبق، والانفصال عن وصال من لحق من السادة الأكابر بأهل العلم الأوائل.

لا يتمنى الغرب الذي تهيمن عليه فكرة التحكم في العالم أن نصل في منظومة الاقتصاد الإسلامي إلى أكثر من ما قد وصلنا إليه اليوم شكلياً، فالإخلال بهذه المعادلة والمنظومة سيشكل لهم ضغوطاً وتغيراً في الخارطة الاقتصادية العالمية بحيث يكون الشرق الأوسط هو المركز المسيطر. يعتقد البعض أن هذا كلام نظري، أقول لك قد لا نتفق معاً لأن معطيات القواعد إذا تغيرت فإنه سوف يتغير المضمون.

وإذا تغير هذا فإن تأثيره سيكون مدويا لأن التغيير الشكلي في يومنا هذا للاقتصاد الرسلامي قد اكتسح الاقتصاد الرأسمالي، فإذا كانت هذه صورة القواعد فيكف إن أعملنا وشغلنا هذه القواعد الإسلامية حقيقة في الاقتصاد اليوم.

العجيب والمثير أننا قد حصرنا الاقتصاد الإسلامي في البنوك والتأمين والطعام الحلال، ونسيان التعامل اليومي على أصغر الوحدات الحياتية اليومية من البيع والشراء البسيط الذي نقوم به كل يوم، وهنا يكمن محور من قواعد المعاملات الإسلامية الذي يحقق انتشاراً أفقياً. أتصور أن الاقتصاد الإسلامي هو الذهب الأسود لمستقبل هذه الأمة، وسيكون ذلك عند غياب النفط من الخارطة الاقتصادية للدول العربية.

إذا لم يجتمع العرب أولا، ثم المسلمون ثانيا، على إنشاء اتحاد اقتصادي إسلامي حقيقي من القواعد والأصول سوف يكون مستقبل أجيال قادمة صعباً. فليس لهم مصانع تنتج ولا ثياب تنسج ولا طعام يزرع. أما هذا الكيان فعليه أن يكون متسقاً اقتصاديا من الخليج إلى المحيط بعيداً عن السياسة تماماً.

ختاما قال شيخنا الإمام مالك ابن أنس صاحب المذهب "إذا عرض لك أمر فاتئد وعاير على نظرك بنظر غيرك، فإن العيار يذهب عيب الرأي كما تذهب النار عيب الذهب". وقال الامام الشافعي العلم ما نَفَع، ليس العلم ما حُفِظ". وهذا الإمام أحمد بن حنبل يقول "العلم لا يعدله شئ إذا كان خالصا". ونحن نحتاج اليوم إلى تجار فقهاء مثل الامام أبو حنيفة صاحب أول مركز للتسوق في تاريخ الإسلام وأول من دون الفقه في الكتب، اليوم الاقتصاد يحتاج تجاراً هم أول من يطبق قواعد الإسلام في الاقتصاد الإسلامي.

 

Email