زمن الانتفاضات العربية والقلق الإسرائيلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد تراجع احتمالات الضربة الأميركية على سوريا، تناقلت وسائل الإعلام خبرا بالغ الأهمية تحت عنوان: "اللوبي الصهيوني في أميركا ضد ضرب سوريا خوفا من صواريخ حزب الله وسوريا على إسرائيل".

في تفاصيل الخبر الذي نشرته عدة صحف عربية بتاريخ 18/9/2013، أن منظمة "أيباك" شنت حملة كبيرة ضد الحرب على سوريا. وهي منظمة يهودية في الولايات المتحدة تعنى بتعزيز العلاقات الأميركية الإسرائيلية، انطلاقا من الحرص الشديد على اليهود في جميع دول العالم، خاصة إسرائيل.

ولديها دور فاعل جدا في رسم السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، بالتعاون الوثيق مع حكومة إسرائيل لضمان مصالح اليهود أولا، وعلى حساب مصالح الأميركيين أحيانا.

عندما شعر الرئيس أوباما بأن اللوبي الصهيوني في أميركا يقف ضد ضربة عسكرية أميركية لسوريا، أصيب بإرباك شديد.

وقد وجه إليه دافيد ليبرمان، أحد كبار المسؤولين في منظمة أيباك، اتهاما مباشرا بأنه يسعى إلى تدمير إسرائيل، إذ قال: "أنتم تريدون حربا في الشرق الأوسط ضد سوريا، لكي تنزل على إسرائيل مئة ألف صاروخ من حزب الله وخمسون ألف صاروخ من سوريا، وهي ستضرب تل أبيب، وحيفا، ومناطق الجليل، وشاطئ فلسطين، ومنطقة القدس، ومفاعل ديمونا، والمستوطنات الإسرائيلية".

وذكّره بأن غالبية الرأي العام الأميركي والإسرائيلي والدولي تقف ضد هذه الحرب، التي تشكل خطرا على إسرائيل في وقت تشهد السياحة إليها نموا ممتازا، والاقتصاد الإسرائيلي تحسنا ملحوظا، ويتكاثر عدد المهاجرين الإسرائيليين إلى المستوطنات التي تنمو بشكل كبير في الضفة الغربية وغيرها، فاندلاع الحرب في هذه الظروف يدفع المهاجرين الجدد إلى مغادرة إسرائيل.

ونبه ليبرمان إلى أنه مهما كان حجم الدمار الهائل الذي سيلحق بلبنان وسوريا، فهو لن يقاس بالخسائر التي ستلحق بإسرائيل بشريا واقتصاديا، والآثار النفسية التي تتركها الحرب على المجتمع الإسرائيلي.

لهذه الأسباب وغيرها قرر اللوبي الصهيوني الوقوف ضد الحرب على سوريا، وهدد بالضغط على الكونغرس لعدم الموافقة عليها، فاضطر أوباما إلى التراجع، وتلقف المبادرة الروسية كخشبة خلاص للخروج من المأزق. فإسرائيل ما زالت أسيرة الهزيمة العسكرية والصدمة النفسية، التي لحقت بجيشها الذي قدمته للعالم بأنه "لا يقهر".

فبعد أن وسعت رقعة احتلالها وسط صمت عربي مطبق، واحتلت عام 1982 أكثر من نصف مساحة لبنان ومن ضمنها العاصمة بيروت، انطلقت المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي بتسميات وطنية جامعة، دون توصيفات دينية أو مذهبية أو سياسية، فأجبرت إسرائيل على الانسحاب من جميع الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا.

ثم حاولت الانتقام لهزيمتها فأعلنت حربا مدمرة على لبنان عام 2006، فأصيبت مجددا بخسائر فادحة دون أن تحقق أيا من أهدافها العسكرية والسياسية. هكذا باتت إسرائيل تخشى من صواريخ المقاومة التي تهدد كامل الأراضي الإسرائيلية، وقد تصيب مفاعل إسرائيل النووي في ديمونا بصحراء النقب الفلسطينية.

وبعد أن دخل العرب منذ العام 2011 زمن الانتفاضات الشعبية التي تطالب بالتغيير الشامل، يمكن التأكيد على أن زمن العربدة الإسرائيلية والهيمنة الأميركية المدعومة أوروبيا ضد الدول العربية، بات أكثر صعوبة.

كما أن أوهام إعادة تقسيم سوريا ولبنان والعراق ومصر وليبيا واليمن وغيرها إلى دويلات طائفية وقبلية ملحقة بمشروع الشرق الأوسط الجديد بقيادة أميركية إسرائيلية، لن تبصر النور. فزمن الانتفاضات ينبئ بتغييرات جذرية على ركائز ثقافية صلبة، أبرزها:

أولا: أن المقاومة اللبنانية منذ انطلاقتها الأولى كانت مقاومة وطنية بامتياز، شاركت فيها قوى سياسية من مختلف الاتجاهات والطوائف والمناطق. وقاوم الشعب اللبناني داخل المناطق المحتلة بكل الوسائل المتاحة، العسكرية والسلمية، مما أعطى لبنان موقعا متقدما في تاريخ المقاومة العربية، التي أخرجت إسرائيل من لبنان دون أن توقع الحكومة اللبنانية معها أي اتفاقية.

ثم منعت المقاومة الوطنية إسرائيل من تحقيق أهدافها عام 2006، فباتت تتجنب القيام بأي مغامرة عسكرية ضد لبنان.

ثانيا: ما زالت إسرائيل ترفض الحلول السلمية وتطبيق القرارات الدولية التي تدين احتلالها لأراض فلسطينية وسورية ولبنانية، وتحضر للتوسع الاستيطاني والعسكري بدعم مباشر من حلفائها في الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية.

ولم تقدم المفاوضات العربية مع إسرائيل فوائد تذكر للشعب الفلسطيني، بل أعطت إسرائيل مكاسب هائلة، فتوسعت في بناء المستوطنات، ورفضت عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم أو الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ومنها حقه في بناء دولته المستقلة على أرضه.

ثالثا: عكس الاستعداد المكثف للتدخل العسكري الأميركي في سوريا ثم التراجع عنه، المخاوف التي حذر منها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وفي طليعتها الخوف على إسرائيل.

وهذا يستوجب من الدول العربية، الاعتماد على الذات والتوافق على سياسة واضحة لحل النزاعات العربية، وعدم التفريط بالسيادة والاستقلال وبمصالح الشعوب العربية، فالمنطقة العربية كلها في حالة غليان كبير يمكن أن يقود إلى تبدلات دراماتيكية.

ومع أن إسرائيل ما زالت تحظى بدعم أميركي وأوروبي غير محدود، فإنها تخشى القيام بمغامرات عسكرية غير مدروسة، في زمن الانتفاضات العربية التي عززت ثقافة المقاومة ضد أي عدوان خارجي.

ختاما، تفرض التبدلات الجديدة في زمن الانتفاضات العربية، تعزيز الوحدة الوطنية والتضامن القومي العربي. ونذكر هنا بخطاب نتانياهو في وقت سابق أمام الكونغرس الأميركي، والذي نال الكثير من التصفيق الحاد. فقد أكد بوضوح أن الصراع العربي/ الإسرائيلي اليوم على أبواب انفجار أشد قسوة من جميع المراحل السابقة.

 فهل يعزز العرب أواصر الوحدة الوطنية والقومية في ما بينهم؟ وهل ترتقي جماهير الانتفاضات العربية إلى مرحلة بناء مقاومة عربية جامعة، واستراتيجية للجمع بين المقاومة العسكرية، والمقاومة الثقافية، والمقاومة السلمية؟

 

Email