وأخيراً.. مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخيراً بدأت مصر تتنفس الصعداء. ومن كان يحلم في يوم من الأيام بتدميرها بدأ يعض على أصابعه من القهر. وربما لأول مرة يكشف أو يكتشف العالم حقيقة الجماعات التي لم تتعلم فلسفة البناء، ولا هم لها سوى تفسير الشريعة الإسلامية وفق هواها ووفق ما يخدم مصالحها. وكما قال الإمام علي كرم الله وجهه، (كلمة حق يراد بها باطل). فاتجهت إلى الهدم وإلى التفرقة وإثارة النزاعات.

وعندما نقرأ القرآن الكريم ونتمعن في السنة النبوية ونتتبع سيرة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم لا نجد سوى الدعوة إلى مكارم الأخلاق العليا أولاً، والبناء ثانياً، والتسامح ثالثاً. غير أن لم نجد في الجماعة التي حملت باطلاً شعار الإسلام سوى عكس كل تلك المبادئ السامية.

بوصولهم إلى السُلطة، تحولت شعاراتهم وشخصياتهم التي كانت تخرج إلى الناس بمظهر المتواضع، تحولت بعد بلوغهم هدفهم، إلى حرس وجنود ومعاقل وشباك وأسلاك شائكة يحرم الاقتراب منها ورفض الرأي الآخر.

مصر في غضون عام واحد فقط من حكم الإخوان، كادت أن تلغى من خارطة التاريخ وتخلق لها من الأعداء أكثر من حبات الرمال.

مصر بدأت بصعوبة وتضحيات إعادة بناء اقتصادها وسمعتها ومكانتها وهيبتها التي وضعت أمام امتحان رهيب وبدأت وكأنها تستعيد عافيتها.

الإمارات حكومة وشعباً، كانت من أول الدول التي سارعت إلى دعم خطة استعادة ما ضاع من مصر خلال عام واحد. وقوف الإمارات وشعبها مع الحكومة الجديدة لم يكن كما قد يتوهم البعض لمصلحة أو منفعة أو لهدف، فقط هي تعيد لمصر وشعبها الدين الذي تحمله على أكتافها منذ عقود.

والإمارات ليس كما يظن البعض تنتقم بذلك من الإخوان المسلمين لأنهم تدخلوا في شؤونها وتحدثوا عنها بما لا يليق وخططوا إلى الإساءة إليها، فالانتقام ليس من عادات الإماراتيين والكل يعرفهم جيداً، وعقيدتهم التسامح والعطاء والتواضع. وإنما كان بدافع الخوف على مستقبل مصر وشعبها.

ولأن مصر هي العمود الفقري للأمة العربية فإذا ما انكسر، انكسرت، وإذا ما انحنى هوت الأمة العربية خاصة بعد ما شاهدناه ونشاهده من سهولة سقوط الرؤوس الكبيرة التي كانت تحكم بما يحلو لها. والإمارات تعتبر من أوائل الدول التي فتحت أبوابها لكل المهاجرين والفارين والجرحى من عذاب وتعذيب أنظمتهم، لأنها لا تعرف الانتقام ولا الدسائس وتحب الخير لأشقائها.

من هذا المنطلق وقفت الإمارات مع مصر وهي تعلم ثمن هذا الموقف، وتعلم أنها سوف تغضب الكثيرين، ولكن هؤلاء الكثيرين سوف يعلمون في يوم ما كم كانت الإمارات على حق في الوقوف ضد تدهور حالة مصر.

بالفعل وبالصور وبالخطب المروعة والهيئات التي كانت تخرج إلينا وكأنها تخرج من بين القبور، كانت الشعوب العربية تشاهد الحقيقة وهي لا تصدق أن زمن عبدالناصر قد ولى دون رجعة وأن مصر سوف تنهار كما تنهار مبانيها التي بنيت على قواعد مغشوشة.

اليوم مصر غير مصر قبل 6 أشهر. وعلى الإخوان المسلمين أن يعيدوا حساباتهم ويقلبوا تفكيرهم ويقرأوا التاريخ وألا يغرقوا في وهم أنهم على حق. الإسلام علمنا أن نكون واقعيين قبل أن نكون مثاليين واتكاليين، ومعركة "أُحد" هي إحدى تلك الدروس الأساسية التي يجب على الجميع تعلمها ولكن لم يتعلم منها الإخوان المسلمون.

كاتب هذه السطور ليس مصرياً ومعظم من كتبوا عن مصر أكثرهم غير مصريين، ولكنهم مصريون بغيرتهم على بلد يضرب تاريخه في القدم لأكثر من خمسة آلاف عام إلا عام واحد.. والكل يعرفه.

 

Email