تعثر الربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن شعوراً باليأس والمرارة يجيش في صدور الكثيرين في طول البلاد العربية وعرضها، من عدم قدرة الثورات العربية التي اندلعت في أكثر من بقعة في الأرض العربية، على الوصول إلى أهدافها، وعلى رأسها إقامة حكم ديمقراطي، ناهيك عن تحقيق العدالة الاجتماعية، ذلك المطلب الذي حرك فقراء المدن للانضمام إلى طلائع الطبقة المتوسطة المتنورة الثائرة.

وهذه الثورات، ليس فقط أنها لم تحقق رأس أولوياتها المتمثلة بمشاركة الشعب في العملية السياسية، عبر نظام ديمقراطي يكفل الحرية للجميع، فضلاً عن تحقيق رخاء اقتصادي يحسن من أوضاع الملايين البائسة، بل هي أخفقت أيضاً في ما كان الإنسان العربي يعتبره بديهية، وهو العيش في أمن وأمان.

فتونس تعاني من اضطراب سياسي واجتماعي وفلتان أمني، تمثل في اغتيال أبرز قياديين في التيار الوطني على يد جماعة سلفية متشددة، الأمر الذي دفع بالشارع إلى الخروج للمطالبة بإقالة حكومة "الإخوان" الحالية، وإجراء انتخابات مبكرة. وها هي مصر تدخل السنة الثالثة من ثورتها التي جرت في الخامس والعشرين من يناير، وهي خالية الوفاض.

فقد استحوذ "الإخوان" على الثورة وجنوا ثمارها، بعد أن ركبوا موجتها في الهزيع الأخير من انتصارها، وعاشت مصر المحروسة في ظلهم سنة كاملة وهي تخرج من أزمة لتدخل في ثانية، إلى أن قرر الشعب أن ينتفض في الثلاثين من يونيو ويطيح بحكم الإخوان، وهي تعيش الآن مخاضاً عسيراً لإعادة الاستقرار، والتوافق على دستور عصري، وإجراء انتخابات حرة.

أما أوضاع ليبيا فلا أحد يختلف على صعوبتها، حيث الميليشيات التي لم تفلح حكومة الثورة في ضمها إلى جيش وطني موحد، ما زالت تروع الناس، وتنذر بانقسام البلاد بين شرقها وغربها وجنوبها.

وها هي ثروة ليبيا المتمثلة بالنفط ينقطع تصديرها بين فينة وأخرى، بسبب الإضرابات العمالية "المسيسة"، ناهيك عن أعمال العنف والاغتيال. أما اليمن، فإن خطواته نحو الإصلاح بطيئة لا تتناسب مع حجم المشكلات التي يعانيها، فضلاً عن نشاط القاعدة الذي لم يتوقف.

ومأساة سوريا بادية للعيان، وهي تزداد يوماً بعد آخر. فبعد أن انطلقت الثورة سلمية، تحولت تلك الثورة إلى استخدام السلاح بفعل قسوة قمع النظام لها، الأمر الذي خلق حرباً أهلية ستستمر آثارها مدة طويلة بعد سقوطه. وما يخيف الدول الغربية في ترددها بل تلكئها في دعم تلك الثورة، هو الخوف من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ازداد عددها وكثر أتباعها، والتي يدور الكثير منها في فلك القاعدة.

ترى، لماذا وصل الربيع العربي إلى هذا الوضع المأساوي، ولماذا أخفقت التجارب العربية في الانتقال السلس من الثورة إلى الدولة، وتحقيق الشعارات التي انطلقت منها؟ سؤال سيظل مطروحاً مدة طويلة من الزمن.

ولعل من بين أبرز تلك الأسباب، بل قد يكون ذلك هو مأساة الربيع العربي بحق، أن الثورات العربية التي سميت بالربيع العربي، إنما اندلعت وقت قوة وانتشار الجماعات الدينية وضعف الجماعات الوطنية بمختلف تلاوينها. ومكمن المأساة أن الجماعات الدينية لا تؤمن أصلاً بالديمقراطية، وتختزلها بالعملية الانتخابية، لأنها قد ضمنت أن لها الغلبة.

وذلك بفضل الظروف التاريخية التي أعطتها اليد الطولى في التنظيم والانتشار، والاستفادة من ذلك في الاستئثار بنتائج الانتخابات لصالحها. والكل يعلم أن الديمقراطية هي مجموعة مبادئ مترابطة، لا قيام لمبدأ دون المبادئ الأخرى، من قبيل الحريات المختلفة كحرية التعبير والاعتقاد والتجمع واحترام حقوق الأقليات والمرأة، ومبدأ المواطنة وسيادة القانون والمساواة أمامه.. وغيرها.

وقد رأينا كيف أهدرت هذه المبادئ حينما سنحت الفرصة للجماعات الدينية للوصول إلى السلطة بالآليات الديمقراطية، في مشهد يشبه ما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي حينما وصل النازيون وزعيمهم هتلر إلى السلطة في انتخابات حرة، ليبنوا أعتى دولة استبدادية شهدها التاريخ، ناهيك عن حرب عالمية أشعلوها أكلت الأخضر واليابس!

خلاصة القول إن الربيع العربي لا يمكن أن يزدهر ويأتي بثماره اليانعة في حياة حرة كريمة تسود المجتمعات العربية، إلا بمحاربة الفكر المتطرف المتدثر بالدين الإسلامي الحنيف، بتنظيماته الحزبية المختلفة.

 

Email