الكيميائي السوري وأسلحة الدمار الشامل في المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط ضجيج الإعلان عن احتمال تدخل عسكري أميركي متعدد الأهداف في سوريا، أشارت وسائل الإعلام إلى أن صفقة ضمنية عقدت في الخلوة القصيرة، التي جمعت الرئيسين بوتين وأوباما على هامش قمة العشرين في سان بطرسبورغ.

وتجلت الصفقة عبر مبادرة روسيا إلى حمل سوريا على وضع مخزونها الكيميائي تحت إشراف الأمم المتحدة، فسارعت سوريا بإعلان موافقتها على الخطة، وتقدمت بطلب الانضمام الكامل إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وتم قبول طلبها. نزعت الصفقة فتيل حرب مدمرة في الشرق الأوسط، وكثرت التقارير الصحفية التي تتحدث عن خارطة متكاملة على خلفية تنازلات متبادلة لضمان أمن واستقرار المنطقة.

أولا: تم إبعاد شبح الحل العسكري واعتماد الحل السياسي الطويل الأمد، فبرزت على الفور تأويلات تؤكد أن الحل العسكري لم يستبعد بالكامل، بل أفسح المجال لحل سياسي يرضي الأطراف المتنازعة. وهي مسألة بالغة الصعوبة، وتتطلب أجندة متكاملة لوقف النزاع الدموي في سوريا، وصولا إلى إفراغ منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

ثانيا: بعد موافقة روسيا والولايات المتحدة على الصفقة، أيدتها دول كثيرة، وتحفظت عليها دول أخرى. لكن الصفقة البراغماتية تبنت الحل السياسي على قاعدة قبول سوريا بالشروط الدولية، وصولا إلى عقد مؤتمر جنيف الثاني لإيجاد حل تدريجي ونهائي للأزمة السورية.

ثالثا: أشارت تقارير صحفية إلى أن الصفقة تضمنت نقاطا عدة أبرزها: تدمير السلاح الكيميائي السوري بإشراف مباشر من روسيا والأمم المتحدة، ووقف القتال في سوريا، ومشاركة جميع الأطراف السورية في مؤتمر جنيف الثاني، وصولا إلى تشكيل حكومة انتقالية تتمثل فيها القوى السياسية الفاعلة والمؤمنة بوحدة سوريا أرضا وشعبا ومؤسسات.

وقد أكد الرئيس الأميركي أن بالإمكان تجنب العمل العسكري ضد سوريا إذا كانت المبادرة الروسية إيجابية فعلا، وحذر سوريا من المماطلة، وذكر بأن المبادرة جاءت نتيجة التهديد الأميركي والدولي ضدها، وستبقى الضربة قائمة بعد إعطاء فرصة للحل السلمي.

بدوره، أكد الرئيس الروسي أن المبادرة تطلبت إقناع سوريا وإيران للقبول بتسليم الأسلحة الكيميائية السورية، التي كانت تشكل رادعا في مواجهة السلاح النووي الإسرائيلي، فباتت روسيا ملزمة تجاه سوريا وإيران بضمان الشرطين التاليين:

أ- باتت روسيا هي الضامن لأمن سوريا كحليف استراتيجي، وقد وضعت سوريا تحت مظلتها النووية لقاء تخليها عن قوة الردع الكيميائي.

ب- كانت سوريا تحتفظ بسلاحها الكيميائي مقابل السلاح النووي الإسرائيلي، وبعد تخليها عنه يترتب على إسرائيل وضع سلاحها النووي تحت رقابة الأمم المتحدة ليكون جزءا من تسوية شاملة في المنطقة، إلى جانب الملف النووي الإيراني. رابعا: الصراع الدائر الآن في سوريا هو جزء من الصراع المزمن بين العرب وإسرائيل، والذي قارب على المائة عام.

وهو صراع معقد ويتضمن جوانب متداخلة وموضوعات حساسة جدا، وقادرة على تفجير منطقة الشرق الأوسط في أي لحظة. فهي منطقة غنية بالنفط والغاز، ولديها موقع متقدم في الاقتصاد العالمي، وتستدرج ثرواتها الطبيعية قوى إقليمية ودولية كثيرة.

وكانت الولايات المتحدة تعتبر الدولة الأكثر نفوذا سياسيا وعسكريا واقتصاديا في هذه المنطقة، لكن استمرار الأزمة السورية دون حل لقرابة ثلاث سنوات، أضعف نفوذ أميركا وأظهر عجزها عن خوض حرب كبرى، بسبب مشكلاتها الداخلية وأزماتها الاقتصادية، ورفض الرأي العام الأميركي والأوروبي للدخول في حروب جديدة تهدد مصالح الأميركيين والأوروبيين في الصميم.

نخلص إلى أن المبادرة الروسية شكلت خشبة إنقاذ لقوى كانت تحرض على الحل العسكري، ولقوى كانت تتخوف من نتائجها المدمرة، لذلك انصرفت وسائل الإعلام إلى تقييم المكاسب والخسائر للقوى المتنازعة.

فجمع الأسلحة الكيميائية تمهيدا لإتلافها، وتوقيع سوريا على معاهدة منع انتشارها، يشكلان خسارة جدية لمحور دمشق ـ طهران وحلفائهما، لأنه يجرد سوريا من سلاحها الاستراتيجي الذي كانت تعتبره رادعا في مواجهة السلاح النووي الإسرائيلي، ويخشى هذا المحور من أن يقود تدمير السلاح الكيميائي السوري إلى تنفيذ السيناريو العراقي مجددا ضد سوريا.

لذا نبه الرئيس الروسي إلى مخاطر هذا السيناريو، وأكد على أن الموافقة السورية النهائية رهن بامتناع الولايات المتحدة وحلفائها نهائيا عن استخدام القوة ضد سوريا.

كما أن البحث في ملف إيران النووي يتطلب وضع ملف إسرائيل النووي على طاولة المفاوضات، لإيجاد تسوية متكاملة لشرق أوسط جديد خال من أسلحة الدمار الشامل.

ختاما، شكل التوافق الروسي - الأميركي لتلافي الحرب مقابل تدمير السلاح الكيميائي السوري، مؤشرا واضحا على أن قوة التأديب الأميركية لم تعد طليقة اليدين، بسبب التوازنات الدولية المستجدة.

والسؤال الأساسي: هل تنجح المبادرة الروسية في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل؟ أم أن فشلها رهن بتخلي أميركا عن الإصرار على استخدام القوة العسكرية ضد سوريا لضمان أمن إسرائيل دون سواها في هذه المنطقة؟

 

Email