«الإخوان» والعودة إلى الظلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو سؤال الساعة في مصر أمام الاضطرابات التي تصنعها جماعة الإخوان يومياً داخلياً وخارجياً، هو: هل تستطيع الحكومة حل الجماعة؟! السؤال بصيغته تلك يحمل قدراً من الشك في مقدرة الحكومة المصرية على اتخاذ القرار، وسط مخاوف من تصاعد ردود أفعال أعضائها إلى مزيد من العنف المباشر بمواجهات مسلحة، والعنف غير المباشر بقطع الطرق وعرقلة حركة الحياة في المدن المصرية، كما يحدث حالياً!

وبالفعل، سبق للجماعة أن انخرطت في موجات عنف شديدة ضد الدولة، عقب كل قرار بحلها، سواء في العصر الملكي أو في العصر الجمهوري، وإذا صدر قرار جديد، فهو سيكون الثالث من نوعه منذ نشأة الجماعة في مارس 1928.

وتضغط تيارات سياسية عديدة بقوة على حكومة الدكتور حازم الببلاوي لدفعها إلى قرار الحل، لكن الحكومة تتريث، أو بمعنى أصح، تقيس خطواتها بحذر شديد، فمثل هذا القرار سيتجاوز صداه حدود مصر بالضرورة إلى كل تنظيمات جماعة الإخوان في دول العالم، لأن القرار سيحدد على نحو ما مستقبل هذا التيار، ليس في مصر فحسب، بل في العالم الإسلامي كله.

وكالعادة تدخلت الولايات المتحدة بقوة لمنع صدور قرار الحل، وقالت الخارجية الأميركية على لسان الناطقة باسمها: إن قرار حل الجماعة، في حال صدوره لن يكون فكرة جيدة.

وقد يكون الموقف الأميركي هو الأغرب على الإطلاق، فما علاقتها هي بحل أو عدم حل جماعة الإخوان، وهو شأن داخلي بحت في دولة تبعد عن حدودها ستة آلاف ميل تقريباً، ولا يمس أمن الولايات المتحدة الأميركية القومي من بعيد أو قريب؟! لكن الأهم أن الحكومة المصرية تضع في حساباتها موقف واشنطن، وهو ما أجل قرار الحل بالقانون، وليس بإجراءات إدارية تعسفية.

فالجماعة مرفوع عليها أكثر من دعوى قضائية بحلها ومصادرة مقراتها وتجميد أموالها في البنوك، لمخالفتها قانون الجمعيات الأهلية المنظم لعملها.

وكانت الجماعة قد استغلت وجودها في السلطة، وأشهرت نفسها بطريقة غامضة، وتحت جنح الظلام في 19 مارس الماضي، هروباً من الضغوط والتساؤلات عن شرعيتها المفقودة، والقضايا المرفوعة ضدها باعتبارها جماعة غير قانونية.

المدهش أن الجماعة طوال حكم الرئيس حسني مبارك، كانت رافضة تماماً لأن تقنن أوضاعها، وحبذت وصف "الجماعة المحظورة" الذي أطلقه عليها خصومها، وتساهلت الدولة معها ورضي الطرفان بهذه اللعبة.

فعدم تقنين وضع الجماعة يحمي أسرارها من الهتك والإفشاء: عدد الأعضاء، الأموال والتجارة والاستثمارات، كما أنها تتمتع بمرونة فائقة خارج القانون في الجامعات والنقابات، وقبلت السلطات الوضع الشاذ، لأنه كان يمنحها حق المطاردة القانونية لها في أي وقت تشاء، وحسب الطلب.

المهم أن القضايا المرفوعة ضد الجماعة سارت في قاعات المحاكم، حتى أصدرت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في أول سبتمبر الحالي، أوصت فيه: بوقف قيد جمعية الإخوان المسلمين، التي تم إشهارها في 19 مارس الماضي، فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وبحل الجمعية وإغلاق مقرها "مكتب الإرشاد بالمقطم"، وتصفيتها.

وقالت هيئة مفوضي الدولة في تقريرها، إن حكومة الدكتور هشام قنديل، رئيس مجلس الوزراء السابق، قد أصدرت قراراً بقيد جمعية الإخوان، ليس للقيام بدور الجمعيات المعلن بقانون الجمعيات، وإنما لإرضاء وحماية نظام الإخوان، والحفاظ على بقاء رئيس الجمهورية الحاكم، وحكومة حزب الحرية والعدالة، وأن ظروف وملابسات إشهار الجمعية، وما صاحبه من وقائع، تلقي بظلال من الشك والريبة حول الغاية التي ابتغاها إصدار القرار بهذه الطريقة.

وفي هذا التوقيت، وبهذه السرعة غير المبررة، بما يجعل إشهارها مشوباً بعيب الانحراف، فضلاً عن أن جمعية الإخوان المسلمين، وأعضاءها، قد خالفوا الشروط المتطلبة قانوناً، ومارسوا عملاً ونشاطات محظورة عليها.

المدهش أن هذه الحيثيات كانت هي نفسها في المرتين السابقتين اللتين حلت فيهما الجماعة، المرة الأولى في 8 ديسمبر 1948، بأمر من الحاكم العسكري رقم 63 (كانت مصر في حالة حرب وقتها ضد العصابات الصهيونية في فلسطين).

وجاء في الأمر: تحل فوراً الجمعية المعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين بشعبها في جميع أنحاء المملكة المصرية، وتغلق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وتضبط الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال، وعلى العموم المملوكة للجمعية.

وبعد ست سنوات، أصدر مجلس قيادة ثورة 1952 قرار الحل الثاني في 14 يناير عام 1954، ثم أرفق به تفسيراً ورد في بعض سطوره: أن نفراً من الصفوف الأولى في هيئة الإخوان أرادوا أن يسخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية، مستغلين سلطان الدين على النفوس وبراءة وحماسة الشبان المسلمين، ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو لدين.

ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة، لإحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين. وأتصور أن اللعبة انتهت بين السلطة والجماعة بدخول الطرف الأهم وهو الشعب، سواء قامت الحكومة بحل الجماعة أو تراجعت.

 

Email