طبول الحرب على سوريا واحتمالات التراجع

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن سوريا محط أنظار العالم في ما مضى مثل ما هي الآن، فقمة العشرين الاقتصادية في مدينة بطرسبورغ الروسية (لينينغراد السوفييتية)، تحولت إلى قمة سياسية بامتياز لأن الأزمة السورية استطاعت أن تقتحم جدول أعمالها وتصبح أهم بند من بنوده، وتأخذ مكان الصدارة في كل تقارير وسائل الإعلام العالمية. لن نكون مبالغين في التوصيف، إذا أطلقنا على قمة العشرين هذه اسم "القمة السورية".

هذه القمة كانت تتسم بروح الاستقطاب والتوتر وسعي كلا الطرفين المتنافسين الروسي والأميركي، لكسب أكبر عدد ممكن من الدول المشاركة في هذا المؤتمر إلى جانبه، وحشد الدعم المطلوب لمخططاته.

حالة التصعيد التي سادت هذا المؤتمر وما قبله، كانت لا تبشر بالخير لأنها تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية، إذ كان من المتوقع أن لا يتم أي لقاء ثنائي بين رؤساء القطبين بوتين وأوباما خلال هذه القمة، حتى أن الرئيس الروسي، وقبيل انعقاد المؤتمر، اتهم وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين بالكذب والتلفيق.

طبول الحرب تُقرع والمناورات والحشود العسكرية تسير على قدم وساق وعلى كل المحاور، وخاصة على الجبهتين التركية والأردنية، وكذلك الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط يمتلئ كل يوم أكثر بالبوارج والسفن الحربية.

في هذا المؤتمر حصل عكس ما كان متوقعاً، فقد تم لقاء بين الزعيمين بوتين وأوباما، ولكن لم يغير أي منهما رأيه أو موقفه من الأزمة السورية، لكنهما خرجا من اللقاء الذي دام أقل من نصف ساعة، بنتيجة واضحة مفادها: اتفقنا على أننا لسنا متفقين.

لا الناتو ولا العالم الغربي كانا قبل تاريخ 21 أغسطس المنصرم، أي قبل المجزرة الكيماوية التي حصلت في غوطة دمشق، متحمسين للتدخل العسكري في سوريا، لأن ما يفعله سفاح سوريا كفيل بأن يوصلهم إلى مرادهم دون عناء أو مخاطرة.

ما يؤكد عدم رغبتهما في التدخل العسكري في سوريا، هو روح التسويف والمماطلة التي كان يتسم بها الموقف الأميركي وما سمعناه، ولمرات عديدة، بمناسبة أو بدون مناسبة، من أمين عام حلف الناتو، أندروس راسموسن، بأن الناتو لن يتدخل في الأزمة السورية، ولو أراد التدخل عسكريا هناك لتدخل منذ بداية الثورة على غرار ما حصل في ليبيا.

موقف هذه الدول أو المؤسسات من الأزمة السورية كان عكس ما حصل أثناء الثورة الليبية، إذ تم فرض حظر السلاح على الثوار وبضغوط أميركية، وكذلك تم منع دول أخرى من تسليح ودعم الثوار، رغم اطلاعهم على كل ما يقوم به الطاغية بشار الأسد من فتك وتنكيل بالمدن السورية العريقة وأهاليها، مستخدماً كل أنواع الأسلحة الثقيلة من صواريخ باليستية.

وقنابل عنقودية وفراغية وطيران حربي. لم تكن حياة الشعب السوري محط اهتمام هذه الدول المتفرجة، رغم أن أعداد شهدائه وجرحاه ومعتقليه صارت تحصى بمئات الآلاف، إضافة إلى الملايين المهجرة من أهاليه.

العالم الغربي والناتو وكذلك دول عربية وإقليمية، أعطت سفاح سوريا فرصا كثيرة، ولكن إرادة وتصميم الثوار وثباتهم في الميادين وإيمانهم بالشهادة أو النصر، أحرج كثيرا من السياسيين في العالم.

ومنهم من سقطت أقنعتهم عن وجوههم وتبين النفاق في مواقفهم. في بعض الأحيان ينتاب المراقب شعور بأن هنالك من يريد لهذه الحرب أن تدوم طويلاً، كما حصل في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، والتي دامت أكثر من ثمانية أعوام وكانت كلفتها كبيرة جداً من ضحايا ودمار وخراب.

من سوء طالع الشعب السوري تقاطع مصالح واستراتيجيات عالمية كثيرة على أراضيه، وبسبب هذا نشأت محاور عسكرية وسياسية جديدة. هنالك من يقف إلى جانب الثورة السورية، ولكن ليس حباً بها بل كرهاً "لنظام" بشار، وهنالك من يخاف من انتصار هذه الثورة أو من تطاير شرارها إلى داخل بلاده، وهنالك من يريد أن يشتري هذه الثورة ويهيمن عليها من أجل مصالحه الاستراتيجية.

الرئيس باراك أوباما أراد أن يكون رجل سلام ويظل رجل سلام، وخاصة بعد أن حصل على جائزة نوبل للسلام، ولم يكن يريد أن يتدخل في حروب خارجية كما فعل أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية. فهو عمل على سحب قوات بلاده من العراق وأفغانستان، وأراد أن يحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية.

ولكن ما دفعه لاتخاذ قراره الأخير من أجل "معاقبة" بشار، هو تجاوز طاغية سوريا ولمرات عديدة الخطوط الحمراء التي رسمها له أوباما، والذي بذلك وضع الرئيس الأميركي في موقف محرج للغاية، وجعله كما يقال "يصعد على الشجرة" مكرها أخاك لا بطل، من أجل أن يحفظ ماء وجهه ومكانة وكرامة وهيبة بلاده.

في مؤتمره الصحافي الأخير في بطرسبورغ، صرح الرئيس أوباما - بما هو معروف للجميع - بأن لدى الولايات المتحدة الأميركية أجهزة استخبارات قوية، وأنها مطلعة على كل ما يدور على الأراضي السورية، وهذا يعني أنه كان يعلم بتفاصيل كل التجاوزات التي قامت بها قوات بشار الأسد ضد السكان الآمنين.

الاستعدادات للحرب تتم بسرعة عالية، وإمكانية الحل السلمي شبه ميتة، ومعها كذلك مات مؤتمر جنيف-2 قبل أن تتم ولادته. وهذه حال المجتمعات التي تحكمها ديكتاتوريات تضع مصالحها الشخصية فوق مصلحة الوطن والمواطن. المجتمع السوري أصبح الآن بين فكي كماشة، الطاغية السفاح يقتله يومياً وبكل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً، ومن الطرف الآخر يرى احتمالات الحرب والحشود العسكرية المتزايدة لقصف بلده لكي تنقذه من هذا الطاغية ومن مأساته التي هو فيها.. أحلى الحلين مر.

الأغلبية الساحقة في المجتمع السوري تتمنى أن لا يطول عمر هذه المأساة، وأن تنتهي بسرعة ولو كانت نهايتها مؤلمة، فهي أفضل من الألم الذي لا يزال مستمراً ولعقود طويلة. الثورة السورية ستنتصر عاجلاً أم آجلاً وبتدخل خارجي أو بدونه، وها هو عهد الطاغية أشرف على النهاية وطبول الحرب أصبحت تُقرع، وأصبح الأطرش يسمعها والأعمى يراها.. هل منكم من لا يرى ولا يسمع؟ حماك الله يا سوريا..!

 

Email