العرب ونهاية التاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال له نصل رمح مغروس في العقل: هل قارب العرب نهاية التاريخ؟!

ونهاية التاريخ لا تعني انقراض العرب أو اختفاءهم من على خريطة العالم، أو ضمور إمكاناتهم وطاقاتهم، وإنما هي ثبات الحالة العامة التي هم عليها، في المنطقة الواسعة الممتدة من شرق المحيط الأطلسي إلى غرب الخليج العربي، وقد رسم لها الغرب مخططا عاما ممتدا في العصر الحديث، منذ حملة نابليون بونابرت الفاشلة وإلى الضربة الأميركية لسوريا.

وهو مخطط له استراتيجية واحدة وتفاصيل مختلفة وتحالفات متقلبة، حسب متغيرات المنطقة من حكومات وقوى شعبية وتيارات سياسية، والغاية هي بقاء "العرب المسلمين" في مربعات الفرقة والانقسام والخلافات والاضطرابات والارتباك، ويرعاها الغرب باهتمام بالغ وصرامة فائقة، ويترك لهم حرية الحركة داخل هذه المربعات كل حسب اجتهاده، ودون الخروج منها بكل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة! صحيح أن العرب لم يستسلموا وخاضوا حروبا ضروسا لإفشال هذه الاستراتيجية، التي ورثها الأميركان عن الاستعمار القديم، وتملصوا منها مرة أو مرتين، ثم سرعان ما تلتف حولهم الكماشات من جديد وتعيدهم إلى المربع صفر.

وقد لا نخطئ كثيرا إذا ربطنا حملة نابليون على الشرق في أواخر القرن الثامن عشر، تحديدا في صيف عام 1789، بما يحيق بسوريا من مخاطر رهيبة في صيف 2013، وقد يكون ضرب سوريا هو فصل إضافي من فصول الحملات الغربية على الشرق، والفصل الأميركي الحالي أكثر شراسة..

ونهاية التاريخ هي نظرية المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، التي تضمنها كتابه ذائع الصيت "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، والصادر في التسعينات من القرن العشرين، وتقول إن التاريخ انتهى عمليا أو توقف كليا عند الرأسمالية كنظام اقتصادي للتنمية ورفع مستوى حياة البشر، وعند الديمقراطية كنظام حكم هو أفضل ما وصل إليه الإنسان عبر تطوره، ولم تعد في جعبة البشر القدرة على إنتاج نظم تتجاوز ما وصلت إليه الولايات المتحدة والغرب، وبالتالي لا يوجد تاريخ جديد يكتب خارج الرأسمالية والديمقراطية، خاصة أن مختلف دول العالم غير الغربية تبحر إليهما يوما بعد آخر.. أي أن الحالة التي عليها العالم الآن لن تتغير كثيرا في المستقبل.

وهي نظرية مردود عليها وضد منطق التاريخ وحركة الإنسان، لكننا نستخدمها هنا في حدود تفسير حالتنا، لا أكثر ولا أقل، من باب تقريب الصورة إلى الأذهان.

قطعا قبل أن نفسر ما نقول، قد يقذف البعض منا بـ"نظرية المؤامرة" التعيسة في وجهنا صارخا: المؤامرة مرة أخرى، ألا تتعبوا يا عرب من تحميل الآخرين ثمن خطاياكم وأخطائكم؟! وقد يقول البعض إن نظرية المؤامرة من الهواجس الشائعة في العالم العربي، وهي تفسيرات معلبة جاهزة على الرف، يمد الشرقيون أيديهم إليها بحركة لا إرادية كما المرضى بالهلاوس والخوف المزمن، كلما اصطدمت عقولهم بما يخفى عليهم من أمور تحدث لهم أو حولهم، أمور مستترة بقدر من الريبة والغموض، وتعجز تلك العقول عن فك طلاسمها أو العثور على إجابات شافية لها أو الرد عليها بكفاءة.

وقد كتب كثيرون عن العقل الشرقي الشكاك، المؤمن بنظرية المؤامرة التي توفر له قدرا من الراحة والسكينة في مواجهة عجزه وتخلفه وافتقاده التفكير العلمي المنظم، لتبدو مشكلاته المستعصية كما لو كانت أشبه بأحكام القضاء والقدر.

لكن.. رغم بعض الصحة في السؤال والتحليل، فإننا لا يمكن أن نغفل نظرية المؤامرة كليا أو جزئيا، أولا: لأن الغرب هو صاحب براءة اختراعها، واقتصر دور الشرقيين فقط على الاستخدام حتى لو بتوسع، وثانيا: يستحيل استبعادها تماماً من تفسير وقائع تبدو بلا أسباب ظاهرة أو منطق واضح، خاصة أن التاريخ الإنساني زاخر بالمؤامرات فعلا، من أول مؤامرة الشيطان لإغواء بني الإنسان!

وقطعا لا يمكن فصل واقع سوريا عن أحداث الربيع العربي، أو ما وصفه الغرب ضحكا على الذقون باسم الربيع العربي، وهو ربيع لم يثمر ولم يطرح زهورا بقدر ما طرح دماء واضطرابات وصراعات على السلطة وتراجع اقتصادي، من تونس إلى مصر ومن ليبيا إلى سوريا.. وهذا لا يعيب الثورات في تلك الدول، لكنها ثورات عملت الولايات المتحدة على دفعها إلى المربعات المرسومة، وفشلها في مصر بإزاحة الإخوان عن السلطة، أوجعها وجعا شديدا وتحاول التعويض السريع بضرب سوريا.

وأيضاً لا يمكن فصله عما جرى للعراق والسودان من تقسيمات جغرافية واقعية على الأرض، بينما ظل شكل الدولة متماسكا تماسكا هشا، وها هو دور سوريا يحل على قائمة "الضرب الأميركي" المباشر.

ولا نحتاج أكثر من نظرة من الفضاء على دول الشرق الأوسط الملتهبة: تونس، ليبيا، مصر، سوريا، السودان، العراق.. هل هذه مصادفة؟! وبالقطع تتحمل النظم الحاكمة قدرا كبيرا من المسؤولية المباشرة..

ولم يبق إلا دول الخليج سالمة وبعيدة إلى حد كبير عن هذه القلاقل، لأسباب كثيرة.. ونعود إلى السؤال: هل يقترب الشرقيون بالفعل من نهاية التاريخ؟!

الإجابة لكم.

Email