«يداك أوكتا وفوك نفخ»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقدت الإدارة الأميركية وهيئاتها المختصة، الأسبوع الماضي، اجتماعات لمناقشة الشأن السوري، وأشارت إلى أمرين، حسب التسريبات، أولهما: أن التدخل العسكري الغربي سيكون قصفاً بالصواريخ بعيدة المدى وربما بالطائرات، ضد أهداف عسكرية محددة في سوريا، تشمل المطارات العسكرية والمدنية.

وقواعد الصواريخ، ومقرات الفرق العسكرية وبعض المنشآت الأمنية الأخرى، بما لا يؤدي إلى خسائر في المدنيين، بل يكتفي بضرب البنية التحتية العسكرية للنظام السوري، وإضعاف قدراته العسكرية على مواجهة المعارضة السورية المسلحة. والأمر الثاني: هو أن هذه الضربة لا تهدف إلى إسقاط النظام، وإنما لإضعافه أمام قوى المعارضة، وإخلال موازين القوى العسكرية معها.

ويبدو أن الاجتماع الذي عُقد في عمّان قبل أيام، والذي ضم رؤساء أركان جيوش إحدى عشرة دولة، منها رؤساء أركان الجيوش التركية والسعودية والقطرية والأردنية، بحث جوانب التدخل العسكري، وكان بمثابة مجلس حرب ينتظر القرار السياسي.

وقد شعرت السلطة السورية بجدية الموقف الأميركي والغربي هذه المرة، وبخطورة أي عمليات قصف محتملة، فوافقت على أن تقوم لجنة التحقيق المختصة بالسلاح الكيماوي، بزيارة غوطة دمشق، وإجراء التحقيقات اللازمة، وتقديم تقرير إلى الأمم المتحدة دون أية عراقيل.

وأمام احتمال ضربة عسكرية، صرح وزير الإعلام السوري (وهو مشهور بتصريحاته العنترية)، بأن أي عدوان أميركي سيؤدي إلى اشتعال المنطقة، وبدوره، قال وزير الخارجية، إن الرد السوري سيحمل مفاجآت "سوف تدهش العالم".

كما حذر حليف سوريا الإيراني، بأن ضرب سوريا خط أحمر. وكان الموقف الروسي، على خلاف عادته، أقل تطرفاً من تصريحاته السابقة، إذ قال وزير الخارجية الروسي، إن بلاده لن تتدخل عسكرياً، لكنه، لحفظ ماء الوجه، أشار إلى ضرورة احترام القانون الدولي.

يتبادر إلى الذهن سؤال هام، وربما كان سؤالاً محورياً يتعلق بالكارثة التي تحصل في سوريا، وهو: من أوصل الأزمة السورية إلى هذه المرحلة من الخطورة، بحيث صار يبدو أنها لن تحل إلا بقوة السلاح، وإبعاد أي حل سياسي عن التداول؟

يوجه كثير من السوريين أصابع الاتهام إلى السلطة السورية من جهة، وإلى الإدارة الأميركية والغرب من جهة وأخرى، باعتبارهم اشتركوا معاً في تأزيم الأمور وإيصالها إلى حافة الهاوية. فالسلطة السورية رفضت منذ اليوم الأول للانتفاضة، جميع المطالب الشعبية التي طرحت.

وكانت مطالب مشروعة، تنادي بحفظ كرامة المواطنين وحريتهم، وإجراء إصلاحات في النظام السياسي على رأسها كف أيادي أجهزة الأمن عن التسلط والابتزاز والقمع والتدخل في حياة الناس وشؤونهم، ومكافحة الفساد. وبدلاً من أن تبادر السلطة، لعقد حوار مع الفئات السورية الموالية والمعارضة، لبحث جوانب الخلل في سياستها.

وفي هيكلية النظام السياسي وآلية عمله، والوصول إلى عقد اجتماعي جديد، يؤدي إلى إصلاح النظام، وإقامة الوحدة الوطنية، وإشراك جميع السوريين في بناء بلدهم.. بدلاً من هذا، أطلق النظام أجهزة الأمن على المتظاهرين منذ الأسبوع الأول، وقتلت المئات منهم في جميع أنحاء سوريا، ورفض النظام مطلقاً، وما زال يرفض، الحوار والحل السياسي لهذه الأزمة، بل زاد استخدام القمع والإصرار على الحل الأمني.

وإشراك الجيش والقوات المسلحة في مواجهة الانتفاضة، وأوصل الأمور إلى درجة الطلاق بينه وبين شعبه، ولم تعد هناك أي إمكانية للوصول إلى حل سياسي، وكلما مر الزمن، كبرت الأزمة، وزاد النظام عسفه ودمويته وقتله واعتقالاته وتعذيبه، على أمل أن يطفئ شعلة الثورة، وزاد بذلك غضب الناس وشعورهم بضرورة تغيير النظام كلياً، واختفاء قناعتهم السابقة بإمكانية إصلاحه والتوافق مع السلطة.

هذه مسؤولية السلطة، أما السياستان الأميركية والغربية ومسؤوليتهما، فيلخصهما بعض السوريين بأنهما كانتا مترددتين لا تُعرف أهدافهما بدقة، ولذلك تركتا الأمور على غاربها، أملاً في أن يدمر السوريون بلادهم، ثم يتدخل الغربيون بعد أن يضعف النظام السوري ويسقط عسكرياً، وبعدها يشاركون في بناء دولة سورية جديدة على مزاجهم.

لذلك وعدوا المعارضة منذ البدء بالتدخل السياسي وربما العسكري، وأقنعوها بأن النصر قريب على النظام، وزادوا النار اشتعالاً، ولم يروا مسبقاً المستقبل الذي سيصل إليه الصراع في سوريا، رغم أجهزتهم الأمنية والسياسية، ورغم تحليلهم وتركيبهم أيضاً.

لم يحسب السوريون ولا الغربيون حساباً لأن الصراع في سوريا بين السلطة والمعارضة، قد يفتح الأبواب للفئات المتطرفة الخارجية (وربما الداخلية أيضاً)، بما في ذلك أنصار القاعدة، للدخول في المعمعة. كما تجاهلوا الثابت العسكري الذي يقول إنه يمكن معرفة بدء الصراع المسلح، ولكن لا يمكن معرفة نهايته، فلم يدركوا آثاره المحتملة في الدول الإقليمية وفي السلم العالمي. وقد أوجد الطرفان السوري والغربي، الشروط الموضوعية لاستمرار الصراع المسلح ووصوله إلى المرحلة التي وصل إليها الآن.

وهكذا غرق الجميع في بحر من الأوهام أعمى عيونهم وأضاعوا طريقهم، وهم جميعهم في الواقع يتحملون بدرجة أو أخرى وصول الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه. المؤسف والمحزن أن الشعب السوري هو الوحيد الذي دفع ثمن أخطاء الغرب، وحماقة سلطته وجهلها وصلفها، وكان وقوداًَ لهذه الأخطاء، ولا تعوض الآن خسائره أي نجاحات مهما علا شأنها. فقد خسر وحدته الوطنية، ونسيجه الاجتماعي، واقتصاده، وحاضره ومستقبله..

 

Email