عراقيل أمام النزاعات البحرية الآسيوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يستمر احتدام الخلاف حول بحر الصين الجنوبي، وتزعم الصين أنها تمتلك كل بوصة مربعة من هذا البحر تقريبا، بما في ذلك كل جزيرة، بل وكل صخرة فيه، رغم الاحتجاجات الغاضبة من جيرانها. ويحتدم نقاش مماثل إلى الشمال مباشرة، في بحر الصين الشرقي الذي يحف بتايوان والصين واليابان. هناك توجد مجموعة من الجزر الصغيرة تعرف باسم دايوو إذا كنت صينيا، وسنكاكو إذا كنت يابانيا، وهي أيضا موضع تنازع حاد.

وتشير عمليات استكشاف سلبي عديدة، إلى أن المنطقة هي مصدر سري لنفط وغاز طبيعي وفحم لم يتم استثماره بعد، ولذا فإنه ليس من المدهش أن الصين وتايوان واليابان تجد نفسها في جدل عنيف، لا سبيل إلى فضه ولا تنقصه المرارة، حول ملكيتها.

وتجادل الصين بأنها تمتلك المنطقة بكاملها تماما، على نحو ما تفعل بالنسبة لبحر الصين الجنوبي، وهي ترفض التخلي عن زعمها بملكية هذه المنطقة. وترد اليابان بأن أي جهود تبذل للتفاوض حول هذه المشكلة، لا معنى لها لأن ملكيتها للمنطقة لا سبيل لدحضها، بل إنه ليس هناك سبب يدعو لمناقشتها أصلا.. وتذهب تايوان إلى أن الجزر جزء من أرضها التاريخية.

ويدخل على هذا المشهد الرئيس التايواني ما ينغ جو، فقد اقترح منذ عام تقريبا، ما أسماه مبادرة السلام في بحر الصين الشرقي، وهو جهد لتأجيل النقاش حول السيادة والمضي قدما بالحياة. والآن يود هو ومساعدوه أن يشيروا إلى أن هذه المبادرة قد تلقت الكثير من الدعاية الإيجابية، رغم أن هذا هو كل ما هناك.

والمبدأ الرئيسي للمبادرة هو أن "الجيران لن يتخلوا أبدا عن السيادة"، أو هذا على الأقل ما قاله الرئيس "ما" لي ولعدد محدود من الزوار لمكتبه، بعد مؤتمر عقد في تايبيه حول هذا الموضوع، وأضاف: "وهكذا فإنني أكرر القول بأن السيادة لا يمكن أن تقسم، ولكن الموارد يمكن تقسيمها". وهو يريد أن تجلس الدول الثلاث معا، وأن تتفاوض حول تقسيم الموارد وتعطي لكل دولة حصة من النفط والغاز والفحم والسمك (تفاوضت اليابان وتايوان بالفعل حول اتفاقية للمصائد المشتركة).

وتعد فكرة "ما" فكرة جيدة وخلاقة، وهي تنعكس بشكل جيد على تايوان، الجزيرة الصغيرة المهمشة، ولكنها في تصوري ليست أمامها فرصة للتطبيق، لأسباب تاريخية وتتعلق بالوقت الراهن.

ابتداء، فإنه في عام 1946 قامت جمهورية الصين، بضغط من الغرب لتوضيح وضعها البحري، بإصدار خريطة رسمية توضح مطالبها بالنسبة لبحري الصين الجنوبي والشرقي كليهما. ولم يبد إلا القلائل اهتماما بهذه الخريطة آنذاك، لأنه بعد ثلاث سنوات أوقع الحزب الشيوعي الصيني الهزيمة بحكومة الكومنتانغ الوطنية وسيطر على البلاد، وهرب قادة الكومنتانغ وأنصارهم إلى تايوان التي أطلقوا عليها جمهورية الصين، ومكثوا هناك وأصبحوا القوة السياسية المسيطرة اليوم.

وفي 2009 طلبت الأمم المتحدة من كل بلد وقع على معاهدة قانون البحار، أن يقدم توثيقا لأي مطالب بمناطق بحرية. وهكذا سحبت الحكومة الصينية خريطة 1946 القديمة، التي كان الحزب الذي أطاحت به قد قدمها إلى الأمم المتحدة. كانت تلك هي المرة الأولى منذ 1946 التي ذكرت فيها الصين هذه الخريطة، التي رسمها السابقون على حزب الرئيس "ما" قبل وقت طويل، والتي فرخت الصراعات حول بحري الصين الجنوبي والشرقي بكاملها.

ومنذ ثورة الصين عام 1949، واصلت صين البر الرئيسي تأكيد أن تايوان هي بالفعل مقاطعة صينية، رغم مطالب تايوان التي طال بها العهد بالسيادة. وقد تراجعت التهديدات بالغزو، بعد أن قام الرئيس "ما" بهندسة العلاقات على المستوى الاستراتيجي مع صين البر الرئيسي. وتحمل 80 رحلة جوية يومية، السياح ورجال الأعمال جيئة وذهابا بين تايوان والصين.

ومعظم الصناعات التحويلية التي تملكها تايوان موجودة في الصين، حيث تكلفة قوة العمل أرخص. ورغم ذلك فإن الصين تقول إنها سيسعدها أن تستحوذ تايوان على الجزر المتنازع عليها، لأن تايوان هي جزء من الصين على أي حال، وقد شدد شي جينغ بينغ الرئيس الصيني الجديد، بعد توليه منصبه فورا تقريبا، على أنه لن يساوم أبدا على "مصالح بلاده الجوهرية" بما في ذلك تايوان.

لماذا تجلس الصين وتتفاوض مع تايوان حول الحقوق البحرية؟ من منظور الصين فإن ذلك سوف يكون مماثلا لتفاوض الولايات المتحدة حول الحقوق البرية مع هاواي. في ذلك الحين كانت اليابان والصين تزدري كل منهما الأخرى، في المقام الأول لأن اليابان احتلت بصورة وحشية جانبا كبيرا من الصين خلال الحرب العالمية الثانية، وفي الوقت نفسه فإن اليابان بالكاد تعترف بتايوان، وقد تفاوضت الدولتان حول اتفاقية على مصائد أسماكهما عبر أطراف وثيقة.

إذا، فهل ستجلس هذه الدول الثلاث معا وتتفاوض حول حقوق كل طرف في هذه الموارد الثرية في بحر الصين الشرقي؟ يبدو أنه ليست هناك فرصة لذلك..

 

Email