التركيبة الجديدة لمجلس الشيوخ الياباني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 21 يوليو 2013 جرت في اليابان انتخابات هامة لتجديد نصف أعضاء مجلس الشيوخ، أي 121 من أصل 242، وهي تعتبر تتمة لانتخابات مجلس النواب أو "الدايت الياباني"، التي جرت في 16 ديسمبر 2012 لانتخاب 480 نائبا.

تمخضت انتخابات مجلس النواب عن هزيمة ساحقة للحزب الديمقراطي الحاكم، فانتقم الحزب الليبرالي الديمقراطي لهزيمته الكبيرة في انتخابات 2009 حين نال 118 مقعدا فقط من أصل 480، واضطر للابتعاد عن الحكم ثلاث سنوات (2009 2012).

 وكانت المرة الثانية التي يضطر فيها الحزب لمغادرة الحكم، بعد أن حكم اليابان منذ 1955، باستثناء ثلاث سنوات (1993 1996)، عاد بعدها بقوة عام 1996، وغاب الحزب الاشتراكي نهائيا عن الساحة السياسية.

عمل الحزب الليبرالي الديمقراطي على عودة مماثلة للحكم في انتخابات 2012، فرفع عدد نوابه من 118 إلى 294، أي بزيادة 176 نائبا. وارتفع عدد مقاعد حليفه الدائم، حزب الكوميتو الجديد ذو التوجه البوذي، من 21 إلى 31 مقعدا.

وتراجع عدد مقاعد الحزب الديمقراطي من 233 في 2009، إلى 57 فقط في البرلمان الحالي، وتراجع حليفه الرئيسي "حزب يابان الغد"، من 53 إلى تسعة مقاعد. ونال حزب النهضة (اليابان إيشين)، وهو حزب التطرف القومي بقيادة تحالف إيشيهارا وهاشيموتو، 54 مقعدا في 2012 مقابل 11 في البرلمان السابق.

شكلت انتخابات 2012 انتقاما شديدا للحزب الليبرالي الديمقراطي، بصفته المعبر عن مصالح الشركات اليابانية الكبرى، في مواجهة الحزب الديمقراطي الذي وعد بتمثيل الطبقات الوسطى والفقيرة وبعض شرائح البورجوازية اليابانية. فتسلم "شينزو آبي" رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة وفق تقاليد السياسة اليابانية، وبدأ العمل لاستعادة مجلس الشيوخ ليهيمن على مجلسي النواب والشيوخ معا.

كانت معركة الهيمنة على مجلس الشيوخ أولى معارك رد الاعتبار لرئيس الوزارة (آبي)، الذي أجبر على الاستقالة عام 2007 وخضع لمعالجة نفسية بسبب الهزيمة التي لحقت بالحزب جراء سياسته الفاشلة.

وعلى خلفية الانتقام الشخصي ورد الاعتبار السياسي، جرت انتخابات 21 يوليو 2013 لتجديد نصف أعضاء مجلس الشيوخ. فترشح 433 للتنافس على 121 مقعدا، وبلغت نسبة المقترعين 52.6%.

وكان الهدف الأساسي هو إنزال ضربة قاضية بالحزب الديمقراطي، تخرجه نهائيا من الساحة السياسية في اليابان، كما حل بالحزب الاشتراكي سابقا، لكن النتائج كانت ملتبسة. فقد نال الحزب الليبرالي 65 مقعدا، بنسبة 8.25%، وبزيادة 5% فقط على نسبة التمثيل التي حصل عليها في انتخابات 2012.

وقد احتل "حزبكم" المرتبة الثانية بنسبة 4.15%، ولديه ثمانية مقاعد. وفي المرتبة الثالثة "حزب نهضة اليابان" بنسبة 3.15%، وله ثمانية مقاعد فقط تؤكد تراجع موقع التيار القومي المتشدد في اليابان.

ونال الحزب الديمقراطي 17 مقعدا، مع تراجع كبير من قرابة 16% إلى 13%، وحل في المرتبة الرابعة. وانتقل الحزب الشيوعي من المرتبة السابعة إلى المرتبة الخامسة، ونال ثمانية مقاعد مع ثلاثة أخرى في المجلس الحالي.

وتراجع حزب الكوميتو الجديد، الحليف الأساسي للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، إلى المرتبة السادسة، لكنه احتل 11 مقعدا بسبب الخلل في بنية النظام الانتخابي.. وقد أفرزت الانتخابات عدة ملاحظات..

أولا: أكدت انتخابات 2013 هزيمة كانت متوقعة للحزب الديمقراطي، دون أن تخرجه من الحياة السياسية.

ثانيا: لم يحقق الحزب الحاكم الانتصار الكبير الذي يضمن له أغلبية ساحقة في مجلسي الشيوخ والنواب، فهو مضطر للتعاون القسري مع حزب الكوميتو الجديد، وأحزاب سياسية أخرى. وقد نال الحزبان 76 مقعدا من أصل 121، وباحتساب مقاعدهما في مجلس الشيوخ بكامل أعضائه، تبلغ حصتهما 135 مقعدا من 242. ثالثا: ما زالت المعارضة الجديدة تحتل 45.7% من مجلسي الشيوخ والنواب.

ودلت النتائج على زيادة ملحوظة في نسبة الاقتراع لصالح الحزب الشيوعي الياباني، الذي يدعو إلى معارضة ديمقراطية سليمة، خارج دائرة الاستقطاب الحاد بين أحزاب تمثل الشركات الكبرى والمتوسطة في اليابان. رابعا: تراجع تمثيل اليمين القومي المتطرف بزعامة إيشيهارا، وتقلص تمثيل الأحزاب الصغيرة والمستقلين، مما يساعد على توليد كتل سياسية جديدة.

ختاما، رغم الهزيمة الثانية، لم يخرج الحزب الديمقراطي في اليابان من الساحة السياسية، وما زال يحظى بتمثيل هام في البرلمان وفي مجلس الشيوخ.

ولن تكون معركة "آبي" لتعديل الدستور سهلة في ظل ميزان القوى الجديد، فهو بحاجة إلى ثلثي أعضاء المجلسين. وقد تتأخر معركة تعديل الدستور، ولن يقدم الحزب الحاكم على إجراء تعديلات سياسية واقتصادية جذرية في اليابان حتى الانتخابات المقبلة، وهي ليست متوقعة قبل

Email