نيجيريا وهدر الإمكانيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

خارج مكتب الرئيس غودلاك جوناثان مباشرة، وقفت 17 سيارة إسعاف، تحسباً لاحتمال إصابته أو أحد مساعديه بالمرض. ونادرا ما استخدمت تلك السيارات، إذا كانت قد استخدمت أصلًا، ولم يحظ أي من مرافق الرعاية الصحية الفعلية في تلك الدولة بذلك العدد من سيارات الإسعاف، والحقيقة أن حفنة منها لم تزل بلا سيارة إسعاف واحدة. ولكن بمجرد أن التقطت إحدى الصحف النيجيرية صورة لسيارات الإسعاف ونشرت تقريراً عنها، اختفت تلك السيارات فجأة، على الأرجح في مرآب تحت الأرض.

وجوناثان هو رئيس نيجيريا، التي ينبغي أن تكون بين دول العالم الأكثر ازدهاراً، فهي تنتج ما يقدر بـ2,4 مليون برميل من النفط يوميا. وفي ظل سعر النفط البالغ 93,61 دولارا للبرميل، فإن ذلك يعادل دخلاً يومياً قدره 224 مليون دولار. ومع ذلك فإن العديد من المستشفيات هناك يعجز عن شراء سيارات إسعاف، والسبب هو أن نيجيريا تمثل الدولة الأكثر فسادا على وجه الأرض.

وبالتأكيد، فإن منظمة الشفافية الدولية تصنف ما يقرب من ثلاثين دولة على أنها الأكثر فساداً، بما في ذلك تشاد وهايتي ولاوس واليمن وكمبوديا وغيرها. ولكن هل تعد أي من تلك الدول بمستوى ثراء نيجيريا التي تستحوذ على 81 مليار دولار سنويا من بيع النفط بمفرده؟ لا، وبالتالي فإن نيجيريا تسرق وتبدد من المال أكثر مما تسرقه وتبدده أي دولة أخرى، مما يجعلها أكثر دول العالم فساداً، تبعاً لذلك المقياس.

ولذلك فإن النيجيريين يعيشون فرصة ضائعة، وخصوصاً الآن. فمصر في حالة اضطراب، حيث طالب العديد من المصريين بانقلاب عسكري، أو أي شيء يخلص الدولة من حكومة الإخوان المسلمين. وصنف تقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً، مصر على أنها الوجهة السياحية الأقل أماناً بين 140 دولة سياحية تم تقييمها.

لقد خسرت مصر مكانتها باعتبارها قائدة للعالمين العربي والإفريقي، لذا فإن الوقت مؤات بالنسبة لنيجيريا، ولكن يبدو أن قادتها ليسوا مهتمين إلا بسرقة أموال الدولة، لإثراء أنفسهم بشكل يفوق التصور.

فكروا في الأمر: 81 مليار دولار سنوياً من النفط وحده، في الوقت الذي لا يزال كل مسؤول في الحكومة النيجيرية يخبر شعبه بأن الدولة لا تملك المال الكافي لإصلاح الطرق والمدارس والمستشفيات (الطرق في حالة رهيبة للغاية إلى درجة أن المسؤولين الحكوميين يقطعون عادة أي مسافة بالمروحية)، والشعب النيجيري يتعرض لسوء المعاملة أكثر مما يتعرض لها أي شعب آخر.

 في تسع دول غيرها فقط، من بينها ليبيريا وسيراليون والصومال، يموت عدد أكبر من الأمهات أثناء الولادة. وفي عشر دول غيرها فقط، بما فيها تشاد وأفغانستان وزيمبابوي، يعتبر متوسط العمر المتوقع أقل. وفي الوقت الراهن، ينتهي متوسط عمر النيجيري العادي عند 52 عاما، وقد يكون ذلك هو السبب في أن متوسط عمر النيجيريين لا يزيد على 18 عاماً.

وقبل بضعة أشهر، نشرت وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة "إيكونوميست" تقييماً لأنسب الأماكن لولادة الأطفال في عام 2013، بالنظر إلى رعايتهم المحتملة كأطفال، وفرص عيشهم حياة آمنة ومريحة ومزدهرة. واحتلت سويسرا وأستراليا والنرويج المراكز الثلاثة الأولى، فيما جاءت الولايات المتحدة في المركز السادس عشر، ويرجع ذلك إلى حد كبير، لحقيقة أن "الأطفال سيرثون الديون الكبيرة التي راكمها جيل الطفرة الإنجابية".. وفي المركز الأخير كانت نيجيريا، "إنها أسوأ مكان يدخل الأطفال من خلاله العالم في عام 2013"، حسبما ذكر التقرير.

ويعيش ثلثا سكان نيجيريا تحت خط الفقر، ولا يتلقى مضادات حيوية سوى طفل واحد من كل أربعة أطفال مصابين بالالتهاب الرئوي، وما يقرب من نصف السكان فقط يعرفون القراءة والكتابة.

وتشير وكالة الاستخبارات المركزية أيضاً إلى "تدهور التربة، وإزالة الغابات بشكل سريع، وتلوث الهواء والمياه في المناطق الحضرية". كل هذا في دولة يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي 236 مليار دولار في السنة، مما يجعلها في مصاف الدنمارك وشيلي والإمارات العربية المتحدة، وكلها دول مزدهرة تحسد على ازدهارها.

وبالتأكيد، فإن غودلاك جوناثان يدرك هذا كله، فهو أثناء أدائه اليمين الدستورية، تعهد بأن يكرس نفسه لخدمة ورفاه شعب نيجيريا.

Email