الرزق الحلال

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرزق الحلال هو غاية المطلوب، والغاية البركة في المرزوق ، و جعله الله أيسر مطلوب فيكفي انه جل جلاله قد ضمنه لك. فالرزق هو ما يكتسبه الإنسان و يدخل في ذمته و ماله، وهو احد محاور علم الاقتصاد. وترجم هذا الطلب على الرزق الحلال في الاقتصاد المعاصر بظهور البنوك الإسلامية ، والتأمين الاسلامي ، والصكوك الإسلامية، وغيرها من الأدوات المالية الإسلامية او المتوافقة مع الشريعة الإسلامية .

اذكر قبل ظهور البنوك الإسلامية بالشكل الواسع في الاقتصاد العالمي ، في تلك الأيام التي كان يعد فيها البنوك الإسلامية على أصبع اليد الواحدة، كان الكثير من الناس يطلبون فتح الحسابات البنكية للتوفير ولكن بدون فوائد حتى لا يدخلوا في دائرة شبهة الربا.

اذكر شريحة أخرى من الناس كانت تأخذ الربا من البنوك بغاية التخلص منه وإعطائه للفقراء ، وعدم تركه للبنوك حتى لا تقوى شوكة المعاملات الربوية بتراكم هذه الأموال عند البنوك. الغريب الذي يجب ان ندرسه لماذا توقف الناس عن معطيات الاقتصاد الاسلامي لفترة ليست ببعيدة، و لماذا عندما نتحدث عنه نشعر انها منذ آلاف السنين.

فعندما نقرأ عن الاقتصاد الحديث كل ما نتحدث عنه لا يتجاوز حاجز ٣٠٠ عام تقريبا، و كانت هذه الفترة بخاصة في المائة الأولى منها يوجد معطيات كثيرة للاقتصاد الاسلامي. حتى انه تم أخذ الكثير من هذه الأسس للاقتصاد الاسلامي ونسبتها الى اقتصادهم الحديث، و دونوا هذا في كتبهم وقرأناها نحن ثم صدقنا.

القوانين الاوروبية و دساتيرها يظن البعض انها مصادر التشريع والقوانين الى العالم وهناك كانت البداية لهذا النوع من العلوم البشرية، فكثيرا ما نسمع ان القوانين بالشرق الأوسط مستقاة من القانون الفرنسي او القانون البريطاني، وهذا ما كنت أظنه مثلكم لفترة طويلة.

حتى دار هذا الحوار مع العلامة الشيخ مصطفى البحياوي شيخ المفسرين في المغرب ، فأخبرنا أن كثيرا ما نجده في الغرب من أصول الحضارة الإسلامية. من الكلمات مثلا فيقولون جَمل و غزال و غيرها من الكلمات ذات الأصول العربية، وان قوانينهم معظمها مستقاة من كتب ابن رشد و ابن خلدون و الكثير غيرهم.

ثم تابع الشيخ قصة شيقة حدثت معه منذ زمن، حيث أخبرنا انه في سنة من السنين أرسل بابا الفاتيكان الى علماء الدين في المغرب بغية المناظرة، فما كان ردهم ان ردوا عليه لا نظن أنكم تغلبوا في هذه المناظرة لكن ما رأيكم أن نناظركم في الفقه والمذاهب المسيحية ، واذا غلبتمونا نناظركم في الاسلام.

أخبرنا أنهم صدموا بهذا الرد و رفضوا المناظرة، فقالوا حينها نحن موافقون على المناظرة في الاسلام، فكان ردهم لا نريد مناظرتكم في علوم المسيحية او علوم الاسلام. فقلنا للشيخ البحياوي ولماذا كان هذا الرفض.

 فقال: هذه كتب الفقه القديمة للدين المسيحي لا توجد أكثر النسخ عندهم لأنهم أهملوها و نحن احتفظنا بها و هي مذاهب كما عندنا الأحناف و المالكية والشافعية و الحنابلة ، فدرسناها وهي محفوظة في مكتبة المخطوطات عندنا في المغرب. فكان هذا احد أسباب دهشتهم الشديدة و عرفوا قدر العلم الذي يوجد عندنا ولم يتوقعونه.

هكذا عندما يكون الاسلام بالعلم و الفقه على الأصول الصحية تجد له رونق وبريق العلم وأهله، وتجد للعلماء وقارا و نورا في وجوههم وكلامهم، وهذا لا يكون إلا باتصال العلم و التسلسل، فمثلا الشيخ العلامة مصطفى البحياوي متصل العلم في الفقه المالكي إلى الامام مالك.

أما اليوم عندما قل العلم و الورع ، وانفصل من لحق بمن سبق وجدنا الناس رغم انتشار البنوك الإسلامية تبحث عن الرخص و فتاوى تحلل لها ما هو متشابه، وظهرت أمثال عامية تعكس ثقافة معينة مثلا مقولة "دعها في ذمة عالم و اخرج منها سالم" ، فوجدنا هذا الجيل الذي اصبح عنده مقومات الاقتصاد الاسلامي سهل ومتوفرة لديه اليوم، صار متساهلا على عكس الجيل السابق.

اهم أسباب هذا التساهل هو الأمركة الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على العالم بقوة إقتصادها، فهي تقريبا قامت بأمركة اغلب الجيل الجديد حتى تعود على النظام الغربي بل أضحى هو الطبيعي عنده و المألوف. هذا ليس في الشرق الاوسط عندنا فقط بل في العالم كله، فهذا يضمن لهم طلبا على عملتهم و منتجاتهم و انتشار شركاتهم في الكرة الأرضية وقريبا في كوكب القمر قد نجد هناك محل ماكدونلز و كنتاكي و كوكاكولا.

ختاما بسبب تأخرنا وجدنا دولا تفتقر حتى الى وجود طبق شعبي عندها او مأكولات شعبية لديها، قد غزت سلسلة مطاعمها العالم و طريقة عيشها من اللباس حتى طريقة الكلام ، هذا لو كانت تملك هذه الدول من التاريخ ما نملك او كنا نحن بدون جذور تاريخية عميقة وعريقة ، كيف كان سيكون حلنا اليوم وسط هذا الزخم والضجيج الاقتصادي.

 

Email