دبي.. كل شيء فيها ولا غلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بهذه الكلمات المختصرة والتي تحمل في طياتها مدلولات عميقة، عبر أحد المغردين من إحدى الدول الخليجية الشقيقة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عن إعجابه بتجربة دبي مما لاقى استحسان المغردين الذين تهافتوا بالردود الإيجابية المؤيدة.

 نحن أكثر ذكاءً من أن نأخذ صيغة "ولا غلطة" بمعناها وليس بمدلولها، فنحن ندرك أن هناك أخطاء عديدة نستفيد منها ويظهر غيرها ونعاود الاستفادة منها، فمن يعمل يخطئ والعصمة انتهت بانقطاع الوحي، وإذا وصلنا إلى مستوى "ولا غلطة" في كل شيء فهذا يشير إلى أننا توقفنا عن العمل.. إذاً، ما هو سر تفوق دبي؟ وما سر هذا الانسجام والتناغم والتكامل المحسوس والملموس بين مختلف القطاعات؟ وما سر ذلك في دبي وفي المدن المتقدمة الأخرى كأبوظبي وطوكيو ونيويورك وميونخ ولندن وغيرها؟

إنه التخطيط، فبمجرد ذكر كلمة التخطيط لا بد من إقرانها بتوأمها وهو الإحصاء، هذا العلم والعمل التطبيقي الذي يلامس حياة كل فرد منا في مختلف نواحي حياته ولكن دون أن يشعر، هذا العلم والعمل التطبيقي الذي يعتبر الأداة الرئيسة التي تمكّن المخطط وصانع القرار من اتخاذ قراره على أسس دقيقة ووضع الخطط البناءة، هذا العلم والعمل التطبيقي الذي من خلاله تتكامل الخطط والمبادرات وتنسجم..

لا يمكن تغطية أهمية الإحصاء ودورة في العمل الاستراتيجي والتنموي في مقال مقتضب، فالأمر واسع ومكانه المكتبات ورسائل الدراسات العليا والمنهجيات وأسس العمل الإحصائي الدولية، إلا أنه استُحدث مؤخراً في دبي ما يستحق الإشارة إليه.

قبل أيام قليلة وجه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بإعداد الخطة الاستراتيجية لإمارة دبي 2020. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية خلال الفترة السابقة، من توفير دعم إحصائي ومعلوماتي في مختلف القطاعات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية لخطة الإمارة الحالية، مما أدى إلى توفر قواعد بيانات هائلة ومعلومات قيمة مستقاة من مئات المسوح الميدانية واستطلاعات الرأي وقواعد البيانات الإدارية .

والتي تمثل أرضية صلبة لبناء الخطط المستقبلية، إلا أنه لفت انتباهي أن هذا القائد الشاب الذي أُسس في مدرسة محمد بن راشد، وجه بتحديد الاحتياجات المعلوماتية وتوفير جميع المعلومات الإحصائية اللازمة (قبل) المضي في إعداد الخطة. أيقنت أن هذا القائد الشاب هو امتداد لفكر والده، ذلك القائد المخضرم الذي أوجز في كتابه "رؤيتي" أحد أسرار نجاحه في صناعة القرار، حين قال "كلما ارتفعت جودة المعلومات التي يستند إليها القائد في اتخاذ قراره، ارتفعت مثلها فرص اتخاذ القرار الجيد".

نعم، هكذا يبني القادة الناجحون الخطط الاستراتيجية والمبادرات التنموية، وهكذا يُصنع القرار، فالمعلومات الإحصائية ستكشف لنا أولاً أخطاءنا التي يجب تلافيها، وتكشف لنا أبعد نقطة في الطريق الذي نود أن نسلكه لنتمكن من الهرولة أو الجري نحو تحقيق أهدافنا بأمان، أما في دبي فلا تكفينا الهرولة.

ولا يكفينا الجري، بل يجب أن نبدع ما هو أسرع بكثير، فكلنا يعلم من هو محمد بن راشد. ومما قد لا يتبادر إلى أذهان البعض، أن جميع أفراد المجتمع يشاركون في التخطيط الاستراتيجي ويسهمون في نجاح الخطط من خلال الإحصاء، فالبيانات والمعلومات الإحصائية التي تطلب منك كفرد أو أسرة أو مؤسسة، هي معلومات قيمة وهامة جداً في تكوين المخرجات المعلوماتية التي تستند إليها تلك الخطط والقرارات الاستراتيجية.

فتسهيل عمل الأجهزة الإحصائية واجب قانوني ومجتمعي وأخلاقي في جميع دول العالم، خصوصاً العالم المتقدم، بل يجب على أرباب الأسر والجهات القائمة على المناهج الدراسية، تأسيس الأجيال الناشئة على الثقافة الإحصائية وتوسيع مداركهم بأهمية دورهم والتزاماتهم تجاه مجتمعهم وتجاه الأجيال القادمة. اطلعت مراراً على تفاصيل خطة دبي الاستراتيجية 2015، بما تحتويه من طموح لا محدود وأهداف ذات سقف عالٍ قد تعد "أحلاماً" لغيرنا، ولكن مع قراءتي لتوجيهات سمو ولي عهد دبي بشأن الخطة الاستراتيجية 2020 بدأت أتساءل: وماذا بعد؟

أعان الله جميع الجهات وفرق العمل التي ستعمل على إعداد الخطة الجديدة، للوصول إلى ما يرضي طموح هذا القائد الشاب وذاك القائد المخضرم، الذي بث سيولاً من الطاقة الإيجابية في أروقة المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص وفي نفوس القائمين على القطاعين.. فالطموح سيتحقق بلا أي "غلطة" بإذن الله.

 

Email