الدكتور بدوي والفكر النازي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يخفي العلامة د. عبد الرحمن بدوي إعجابه بالفكر النازي ولا بممارسة زعيمه أدولف هتلر، ولا بحزبه الاشتراكي القومي. وما حرصه على الاطلاع على أدبيات تلك الحركة وترجمته لأبرز آرائها، وبالذات المتضمنة في كتاب "كفاحي" لهتلر وانضمامه لحزب "مصر الفتاة" في العام 1938، إلا دليل على ذلك.

 وهو لا يخفي ذلك، بل يفصح عنه بصريح العبارة ودون مواربة، في مذكراته التي نشرها مطلع الألفية الثالثة وقبل وفاته بسنتين، والتي جاءت في جزأين كبيرين حافلين بسيرة حياته الاجتماعية والسياسية والعلمية التي امتدت خمسة وثمانين عاماً، أي منذ 1917 إلى 2002، ألف فيها أكثر من 150 عملاً بين تأليف وترجمة وكتابة بحث.

ومن شهد جانباً من حياة د. عبد الرحمن بدوي كما شهدها كاتب هذه السطور لم يكن بحاجة أبداً ليعرف أن هذا المفكر كان معجباً بالفكر النازي وبتنظيماته الشبابية والحزبية.

فصرامته، وتعاليه على زملائه وطلابه (وكنت واحداً منهم)، وأحكامه القاسية والقطعية في محاضراته (والتي يتكرر مثلها في مذكراته على كثير من الحوادث والشخصيات، وبعضها ممن كان يكن له الاحترام كطه حسين)، وانضباطه في العمل والإنتاج الفكري، كانت كلها أمارات على ذلك الإعجاب.

ومنظره وهو يذرع أروقة كلية الآداب في جامعة الكويت في تلك الأيام (1975 1977 وهي السنوات التي درست فيها على يديه)، منظر العسكري الممتلئ عزيمة وقوة والذي لا يكترث بمن حوله، إذ كان من عادة بدوي أن لا يرد التحية!

يقول بدوي: "نشأت في وسط شديد الإعجاب بألمانيا، وكان يتمنى لها الانتصار في الحرب العالمية الأولى، ويتغنى بانتصاراتها في السنوات الثلاث الأولى. وكان في قريتنا (شرباص) كُتّاب صاحبه يدعى الشيخ رازق يقرض الشعر، وقد نظم قصيدة في تمجيد الألمان أذكر منها:

إليك "غليوم" ألمانيا وبهجتها * مني ثناء بختم المسك أهديه

وفي بيت آخر يحرض ملك ألمانيا غليوم على تدمير فرنسا فيقول:

ومد شعب فرنسا بالدمار فهم * محللو الفسق جهراً في نواديه".

ويضيف: "وكان لي أخ يكبرني بستة عشر عاماً يحفظ هذه القصيدة كلها وهي تربو على الثلاثين بيتاً، ويرددها على مسامعنا بحماسة في الإلقاء مشبوبة".

أما حبه للألمان فلأنها كانت حليفة تركيا، التي كان المصريون في زمانه يعتبرونها مقر الخلافة، فضلاً عن أن ألمانيا كانت تحارب الإنجليز الذين كانوا يستعمرون مصر. تأييد ألمانيا إذن، كان السبيل كما يكتب "لطرد المستعمر البريطاني من مصر، ولتكوين دولة قوية ذات مستوى حضاري رفيع، يعيد إلى مصر مكانتها الأولى في عهد الفراعنة".

وأتت الفرصة لكي يرى د. عبد الرحمن بدوي ألمانيا بل وإيطاليا، أي مهد النازية والفاشية، حينما أرسلته الجامعة المصرية، لاجتهاده وتميزه، في بعثة صيفية عام 1937 لذينك البلدين. ويكتب عن تلك الزيارة بالنسبة إليه قائلاً: "إنها كانت تطوراً حاسماً في مجري حياتي". والحق أن بدوي ظل بعد تخرجه لا ينقطع عن زيارة أوروبا، بل سكن باريس بعدما غادر الكويت في عام 1982، إلى أن نقل وهو مريض إلى مصر قبل وفاته بمدة قصيرة في العام 2002.

وكانت ميونخ هي المدينة التي قضى فيها فترة إقامته في ألمانيا، حيث "كان من حسن حظي أن شاهدت أواخر يوليو احتفالاً عظيماً - يكتب بدوي ولأول مرة أشاهد أدولف هتلر وهو واقف يخطب، على مسافة لا تزيد عن خمسين متراً من المكان الذي كنت أقف فيه. وكانت خطبته طويلة، وكان قوي الصوت، جليل الأداء، يضغط بقوة على العبارات التي يريد توكيدها".

وبعيد عودته إلى مصر انضم د. عبد الرحمن بدوي إلى حزب "مصر الفتاة" بزعامة أحمد حسين، ونشر في جريدته مقالات في يونيو ويوليو 1938، عن مبادئ النازية والفلسفة السياسية التي تقوم عليها، وعن تنظيماتها الحزبية.. وللحديث صلة.

Email