مصر في دائرة الاستهداف المصيري

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحتل مصر مركزاً حساساً فريداً من نوعه في المنطقة الجغرافية الإقليمية، والمحيط العربي والإسلامي، والنطاق الدولي الأوسع. العبث بماضيها وحاضرها ومستقبلها أمر غاية في الخطورة، ويعد بمثابة جريمة مركّبة مضاعفة الخطيئة والإثم.

من يحتل سدة الحكم فيها وجب عليه مراعاة تاريخ عميق، وحاضر حساس، ومستقبل يواجه الأخطار والعوائق. الحضارة المصرية من أقدم الحضارات البشرية. الديمغرافيا المصرية شديدة التمسك بالوطن والتاريخ والأديان السماوية العظيمة، العريقة على أرضها. الشعب المصري من أكثر شعوب الأرض وداعةً وحباً للأمان والاستقرار والسلام.

تتعرض مصر الآن للاستهداف من قبل مجموعات سياسية في الداخل، ومن الخارج. قد يكون الاستهداف عن قصد وخبث ومكر، وقد يكون عن جهل بما يجري حول تلك الأرض الطيبة. جنح الشعب المصري أخيراً لقبول التغيير وتطبيق الديمقراطية.

اتفقت الأحزاب السياسية المصرية على الاحتكام لصندوق الاقتراع، للفصل السلمي بين الأحزاب الطامحة للسلطة. صندوق الاقتراع في الديمقراطيات الجديدة أسوَد غامض؛ وقد يكون مفخخاً بشكل طبيعي تلقائي، أو متعمّد مصطنع. في الديمقراطيات العتيدة تقبل الأحزاب بنتائج الاقتراع إن تكن في صالحها، وتثور عليه رافضةً له إن تكن النتائج عكس ذلك.

يتعرض الشعب المصري لحملات استقطاب لصالح طرف ضد الآخر.

الجميع يتهم الآخرين بالتقصير والعمالة للأجنبي، وخيانة الوطن والأمة والتاريخ. لا توجد حلول وسط تجمع الأطراف المتناحرة على السلطة. هنالك محاولات عربية وإسلامية وأممية خجولة، لا يمكن أن تشكّل بداية مخرج من نفق الأزمة المصرية.

التخوّف يتصاعد من وقوع الدولة في أتون حرب أهلية. تُستهدَف الدولة بالكيفية نفسها تقريباً، التي حصلت مع دول عربية وإسلامية أخرى. الصومال والعراق وليبيا واليمن وسوريا، أمثلة ماثلة للعيان. هذه الدول مرت وتمر بربيع تغيير بطريقة أو بأخرى، أتى على بنيتها التحتية بالإهلاك والدمار والخراب.

لا يليق بالأمة المصرية أن تسير في هكذا طريق أو طرق. آخر ما يتوقعه المرء هو وقوع مصر في أتون حرب أهلية، قد تكون أيد أجنبية تُخطَّط لها في الخفاء والعلن، بشكل شبه واضح.

انقسمت الأمة المصرية ما بين متدينين أو متشددين أو متعصبين، وقوميين ليبراليين أقل تشدداً وتعصباً. تدير الفريقين مجموعة من الإعلاميين وشبكات الإعلام العربية والغربية. يقف العالم موقف المتفرج المترقب لما يحصل، وما سيحصل.

يراقب ذلك عبر وسائل إعلام محلية وإقليمية ودولية، قسم منها لا يبالي أن يرى مصر تغرق في بحر المجهول. الفئات والأحزاب والطوائف المصرية مسؤولة بالدرجة الأولى والثانية والثالثة، عما يجري في الدولة. لم تلجأ حتى الآن لقبول الحلول الموضوعية المنطقية والوسط، للوصول إلى أفضل الأوضاع، إن لم تكن الصحيحة والمثلى منها.

الأوجه المستهدَفة في مصر كثيرة وعميقة، واستراتيجية وحضارية ودينية. في عين القوى المتربصة تبدو مصر مثل مؤسسة أو كعكة ضخمة غنية ثرية، تاريخياً وحضارياً ومادياً ومعنوياً. أوجه الخسارة فيها عظيمة وقاسية واستراتيجية في كل اتجاه.

كل طرف متربص يريد من مصر العظيمة مأرباً. يتمثل ذلك في الحصول على موطئ قدم، أو تدخل حضاري ثقافي ديني، أو الاستحواذ على الثروة الطبيعية والبشرية.

بشكل أو بآخر، تقدم الأحزاب السياسية المصرية العون لأعداء الدولة في الداخل والخارج، شأنها في ذلك شأن طبقات سياسية عربية أخرى نجحت في جلب التدخل الأجنبي أو الخارجي السافر إلى بلادها، طمعاً بعون منه ضد خصومها السياسيين.

على السياسيين من أصحاب النفوذ، العودة إلى وعيهم وضمائرهم، قبل فوات الأوان عليهم، وعلى مصر وشعب مصر العظيمين بامتياز.

Email