هل جاءت تصريحات السيناتور الأميركي جون ماكين، على هامش زيارته الأخيرة للقاهرة، والتي تحدث فيها عن رؤيته لاحتمالات انزلاق مصر في حمام دم شامل، كنوع مما يعرف بالـ"self prophecy"، أي التنبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها؟ بمعنى أن الرجل هنا لا يتنبأ، بل يستقرئ أحداثا هو يعرف إحداثياتها المستقبلية، لأنه شارك بالفعل في رسم أبعاد تلك الإحداثيات.. ثم، وهو الأهم، هل تم الإعداد لحمام الدم هذا بليل بهيم في إسطنبول مؤخرا؟ من هو ماكين أولا؟ وما الذي قاله على وجه الدقة ودلالاته الآنية والمستقبلية؟

إنه السيناتور الأميركي المتناقض مع ذاته، والمخفق في الوصول إلى البيت الأبيض، رجل تتجلى فيه العداوة للإسلام والمسلمين، فهو الذي تمنى هدم الكعبة المشرفة ذات مرة، والمعروف برغبته في دحر الإسلاميين المتطرفين، على حد وصفه في 2008.

أما عن تأييده لإسرائيل فحدث ولا حرج، إذ يعتبر وزير الاقتصاد الإسرائيلي "نفتالي بنيت"، زعيم حزب البيت اليهودي الديني المتشدد، أنه "بطل قومي لليهود"، وهو من تحدث عن بقاء الأميركيين لمائة عام في العراق.

يطرح ما سبق علامة استفهام؛ هل رجل بهذه المواصفات يمكن أن يكون حليفا للإخوان المسلمين في مصر، على النحو الذي يدعوه للتساوق الفكري معهم واعتبار ما جرى في مصر انقلابا عسكريا، أم أن مصلحة ما أرفع وأنفع له ولبلاده تتخفى وراء الذي قاله؟

المقطوع به أن زيارات ماكين الأخيرة إلى إسطنبول، وتلك التي دخل فيها إلى الأراضي السورية وظهوره على شاشات التلفزة العالمية بجوار بعض من قادة تنظيم القاعدة، ما سبب له فضيحة سياسية في بلاده، كلها شواهد تقودنا إلى أن حديث الرجل مع محطة CBS الأميركية الإخبارية، عن أن مصر قد تفشل وأن المصريين سوف ينزلقون في حمام دم شامل، هي أحاديث معلوماتية مقصودة، وليست تنبوئية أو رؤيوية، وأنه ماض قدما في تنفيذ الاتفاق الذي تم في إسطنبول مع أعضاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين حول العالم، والذي يبدأ بوصف ثورة 30 يونيو على أنها انقلاب عسكري، ثم التلويح بوقف المعونة العسكرية، وصولا إلى تأجيج الصراعات الداخلية وإشعال الاحتراب الأهلي والطائفي لتدويل القضية، ثم لا تلبث أن تجد مصر نفسها تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لتتم لاحقا شهوة قلب المتآمرين منذ أن وحد الملك مينا قطريها الشمالي والجنوبي.

هل واشنطن بعيدة عن فكرة حمام الدم الشامل الذي يتحدث عنه ماكين؟

في أحسن الأحوال إن لم تكن كذلك بالمطلق، فهي تغض الطرف عما جرى ويجري مؤخرا، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الأبعد، وتسخير مصر كبيدق على الرقعة الدولية، وهو الأمر الذي أفسده المصريون ثلاث مرات في 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو، عندما أعلنوا ملامح ثورتهم الحقيقية ذات التوجه الاستراتيجي البناء وبقيادة وطنية سديدة.

ففي نهايات شهر فبراير الماضي، كانت شبكة فوكس نيوز الأميركية تعلن عن أن الأسلحة الأميركية المتقدمة مثل الصواريخ المضادة للدروع، تباع علنا وفي مزادات في سيناء، وهي الأسلحة التي قدمت لرجال القاعدة في ليبيا للقضاء على نظام القذافي، وقد ضبطت سلطات الأمن المصري ذات مرة شحنة تقدر بـ60 صاروخا شديد الانفجار، عند مدخل مدينة 6 أكتوبر بالقرب من العاصمة المصرية القاهرة.

هذه الأسلحة هي التي أشارت إليها النيويورك تايمز في ديسمبر 2012 بوصفها مساعدات عسكرية أميركية متقدمة، قدمتها واشنطن ونقلتها الدوحة إلى "الثوار الليبيين"، أي أنها وصلت بضمان ومباركة أميركية، واليوم يبدو أنه حان استخدامها لإحداث حمام الدم الشامل.. لكن كيف لذلك السيناريو أن يتم؟ بإدخال مصر في دوامة عنف، على صعيدين أمني وطائفي.

أما عن الأمني فعبر إحداث حالة من الهلع والترويع، تستهدف الجيش والداخلية المصريين، من خلال تشكيل لجان لمتابعة ورصد تحركات قيادات القوات المسلحة، لغرض استهدافها في ذروة الصدام، كما جرى في أعقاب اغتيال الرئيس السادات، أي بعد 6 أكتوبر 1981 بيومين، ولاحقا تكثيف العمليات المسلحة في سيناء ضد وحدات وكمائن الجيش والشرطة، ثم استدعاء عناصر من كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس، من المتخصصين في تصنيع العبوات المتفجرة والتخطيط لعمليات تفجير، ثم الشروع في تنفيذ أعمال اقتحام لمبان حيوية ومنشآت مهمة.

 أما البعد الطائفي فقد اتضحت ملامحه بالفعل منذ أسبوعين أو ثلاثة، من خلال تصعيد جهادي ضد الأقباط وكنائسهم ومنازلهم، عطفا على متاجرهم وأعمالهم في سيناء، وفي صعيد مصر تحديدا، حيث الحرائق تشتعل بشكل شبه يومي في محافظات كالمنيا وسوهاج، وفي القاهرة ألغى بابا الأقباط تاوضروس الثاني محاضرته الأسبوعية، للشهر الثاني على التوالي، بسبب المخاوف الأمنية، لا سيما وأن اسمه على قائمة الـ83 شخصية مصرية التي يراد اغتيالها.

هل هذا هو سيناريو الدم الأميركي المعد لمصر التي أفشلت المخطط الأميركي الساعي لتسليم العالم العربي والشرق الأوسط لقوى الإسلام السياسي القديم، حتى تتفرغ هي لتحقيق استراتيجيتها للمائة عام القادمة، من خلال حصار الصين وروسيا وقطع طريق القطبية العالمية عليهما؟

رغم الموقف الباهت لإدارة أوباما، ورغم تصريحات جون كيري بأن ما جرى هو استعادة للديمقراطية عبر الجيش المصري، عطفا على وصف الحزب الجمهوري لزيارة ماكين إلى مصر بأنها فاشلة واعتبار غالبية زملائه أن 30 يونيو ثورة حقيقية، إلا أن المشهد برمته قد يكون تقسيم أدوار ومسرحية أميركية معدة سلفا، ما يتطلب أعلى درجات اليقظة والحرص من مصر المحروسة، حتى لا تقع في حمام دم ماكين الموتور.