أزمة وكالات التصنيف الائتماني

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا يمكن أن نتوقع من طريق سريع بدون ضوابط للسرعة أو خطوط طريق؟ هكذا تم وصف أسباب الأزمة المالية العالمية، في التقرير الصادر في يناير 2011 من اللجنة الخاصة المُشكّلة من قبل مجلس الشيوخ الأميركي لهذا الغرض، ولكن اللجنة انتهت إلى أن سبب الأزمة لم يكن جشع المصارف الكبيرة فقط، بل كذلك جشع واستهتار وكالات التصنيف الائتماني الكبرى.

وفي فبراير 2013 أعلن النائب العام الأميركي أن وزارة العدل قامت برفع دعوى مدنية في المحكمة الفيدرالية، ضد وكالة التصنيف الائتماني "ستاندر أند بورز"، مطالبة إياها بدفع 5 مليارات دولار كتعويض مالي عن الأضرار التي لحقت بالوكالات الحكومية الأميركية المعنية بالاستثمار بسبب هذه الوكالة. وعلى طريقة وزارة العدل، قامت 15 ولاية أميركية برفع قضايا مشابهة ضد نفس الوكالة في محاكم محلية أخرى.

ورغم أن البعض يرون أن الدافع وراء هذا الكم الهائل من القضايا سياسي، وذلك انتقاماً من الوكالة لأنها قامت في سبتمبر 2011 بتخفيض القدرة الائتمانية للولايات المتحدة من "AAA" إلى مستوى "AA "، بعد أن قررت الوكالة أن خطة التعزيز المالي التي أقرها الكونغرس والإدارة الأميركية، ليست كافية لتحقيق الاستقرار في آليات الدين الحكومي على المدى المتوسط.

وقدمت الوكالة طلباً قضائياً بتجميع جميع القضايا في قضية واحدة تُنظر أمام محكمة نيويورك الفيدرالية، لتشابه الموضوع والسبب وليتسنى للوكالة الدفاع عن نفسها في محكمة واحدة، وكذلك للحيلولة دون استنزاف الموارد القضائية، وبعد مداولات شاقة أصدرت المحكمة الفيدرالية قراراً بضرورة تجميع هذه القضايا في محكمة واحدة.

ورغم هذا الانتصار الأولي للوكالة، إلا أنها أصيبت بنكسة قضائية عندما أصدرت القاضية في محكمة شمال نيويورك، حكماً في إحدى الدعاوى المرفوعة ضد وكالة "ستاندر أند بورز" و"موديز"، يمكن تلخيصه بأن قيام وكالة التصنيف بإعطاء تقييم لإحدى السندات يعني أن الوكالة قامت بتحليل البيانات على أسس علمية واقتصادية صحيحة، وبالتالي فإن الوكالة مسؤولة عن رأيها ولا يمكنها التذرع بأن تقييمها هو مجرد وجهة نظر غير ملزمة.

وكالات التصنيف الائتمانية قامت بين عامي 2004 و2007، بإعطاء تصنيفات ممتازة للكثير من إصدارات السندات المدعومة بالرهن العقاري التي أصدرتها المصارف، واعتمدت الوكالات في تقييمها لهذه السندات على فرضية أن أسعار العقارات ستواصل ارتفاعها، ما أدى إلى زيادة الطلب عليها من قبل المستثمرين على فرضية أنها استثمارات آمنة.

وادعت وزارة العدل في أوراقها المقدمة للمحكمة، أن الوكالة أعطت تصنيفات خاطئة مخالفة للحقيقة لبعض السندات، ما أدى لخسارة المستثمرين وبعض الوكالات الحكومية الأميركية المعنية بالاستثمار الحكومي لمليارات الدولارات، بسبب الاعتماد على هذه التقييمات غير المستقلة وغير المحايدة.

ومن الانتقادات الموضوعية الموجهة من قبل وزارة العدل الأميركية لهذه الوكالات، تقاضي الوكالة مقابلاً مجزياً من الأطراف التي تطلب تصنيفها أو تقييمها أو تقييم سنداتها، لذا فإن شبهة محاباة العميل قائمة دائماً على حساب المستثمر.

وكذلك فإن وكالات التصنيف تفتقر إلى وجود الشفافية وكفاءة معايير الرقابة الداخلية، فهذه الوكالات لا تقوم بتوثيق الأسباب والمعايير التي اتبعتها لجنة التصنيف التابعة للوكالة لخفض أو رفع تصنيف شركة أو دولة، كما أشارت لجنة مراقبة الأسواق التابعة للاتحاد الأوروبي في تقريرها الذي صدر في مارس 2013.

ولكن تبقى صعوبة أن على وزارة العدل إثبات قيام الوكالة بتعمد تزييف أو إعطاء تصنيفات خاطئة، وأن هناك بعض المؤسسات الحكومية قد خسرت جراء الاعتماد على هذه التقييمات الخاطئة، وإثبات هذا الأمر يعتبر تحدياً حقيقياً للوزارة نظراً لصعوبة إثبات وجود سياسة عامة في الشركة تشجع على ذلك، وأن الموضوع ليس فقط حالات فردية بل توجه عام لدى الوكالة.

وفي حالة فوزالحكومة الأميركية في هذه الدعوى، فإن الانتصار لا يعدو كونه انتصاراً معنوياً وسياسياً، وستبقى مشكلة اعتماد النظام المالي العالمي على هذه الوكالات من أهم التحديات والعقبات التي تمنع تنظيم القطاع المالي بشكل أكثر كفاءة.

 

 

Email