عودة إلى الإسلاميين في الحكم

ت + ت - الحجم الطبيعي

عدد سكان الهند يتجاوز المليار نسمة غالبيتهم الساحقة ينتمون إلى الديانة الهندوسية، وفيها أقلية من المسلمين يربو عددها على المئتي مليون، وثمة ملايين آخرون من الهنود ينتمون إلى شتى الديانات، فهي بحق تعج بشتى الديانات كما وصفها الشهرستاني صاحب "الملل والنحل".

ليس هذا بيت القصيد، وإنما أوردنا ذلك لنبين أن هذه الدولة "المدنية" بحق، والتي تعتنق غالبيتها الساحقة الديانة الهندوسية، سمح نظامها السياسي المدني بأن يعتلي كرسي الرئاسة فيها ثلاثة رؤساء مسلمين من أصل اثني عشر رئيساً حكموها منذ العام 1950. وهذا أمر لا يمكن تخيل حدوثه في دولة دينية جارة لها وهي باكستان، رغم وجود الأقليات بين مواطنيها!

وهو أيضاً أمر بعيد عن الحركة الدينية الشيعية، فلا يتصور هؤلاء أن يأتي رئيس لجمهورية إيران الإسلامية من مواطنيها السنة، بل إن الدستور حدد ذلك في أصحاب المذهب الشيعي الاثني عشري دون سواهم. والأمر ذاته ينطبق على حركة الإخوان المسلمين والسلفيين.

فهؤلاء لا يخطر على بالهم أن يحكم أرض الكنانة مواطن مصري من الأقباط، وهم حينما سطروا دستور 2012 جعلوا الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، ومثلما فعلت الحركة الدينية الشيعية قبلهم في إيران، نص دستورهم على أن مبادئ الشريعة "تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"!

إذن، لا يمكن أن تتصور الحركة الدينية مواطني الدولة الواحدة أفراداً متساوين لهم جميع الحقوق، ناهيك عن تردد مصطلحات أهل الذمة وفرض الجزية وغيرها من المصطلحات التي تمتلئ بها أدبياتهم، بل وتلهجها ألسنتهم.

وهذا ما يجعل الدولة الدينية غير قادرة على تحقيق المساواة بين مواطنيها، والمساواة باتت من الحقوق الأساسية للإنسان المعاصر، ولن يشعر أي مواطن بالولاء الكامل للدولة حينما تكون حقوقه ناقصة بسبب الدين أو المذهب أو غير ذلك. إن الجماعات الدينية لا يمكن أن تخرج عن نطاق الشرنقة الدينية، وهي أيضاً طائفية في تكوينها.

يقودنا ذلك إلى الحرية الدينية التي لا يمكن أن تتحقق في الدولة الدينية، فها نحن نرى حال أهل السنة والمسيحيين في إيران، ناهيك عن الزرادشتيين والبهائيين الذين تجري ممارسة الاضطهاد ضدهم، وغير بعيد عن ذلك ما يتعرض له الشيعة في باكستان من مذابح على أيدي الجماعات الدينية المتطرفة.

أما ما حدث في السودان من فرض الشريعة الإسلامية على مواطنيها في الجنوب وهم من المسيحيين وبعض الوثنيين، فأدى إلى تصدع الدولة السودانية وانفصال جنوبها عن شمالها.

ولسنا بحاجة إلى التذكير بما يجري في العراق بين الجماعات الدينية من المذهبين الذي راح ضحيته الآلاف، بل نقول إن هذه الجماعات سواء كانت شيعية أم سنية، لم تترك المسيحيين العراقيين وشأنهم إن كانوا في الجنوب في البصرة مثلاً، أو في الشمال في الموصل ونواحيها أو في العاصمة، لدرجة اضطرار الآلاف منهم للفرار بأرواحهم إلى إقليم كردستان أو إلى المهاجر المختلفة!

وكان من المأمول أن يأتي الدستور المصري الذي جاء في أعقاب ثورة مجيدة، برؤية متطورة للحريات الدينية وسبل ممارستها، غير أن ذاك الدستور الذي أضحى الآن في ذمة التاريخ، انطلق من توجهات الإخوان والسلف الذين كانت لهم الغلبة في المجلس التأسيسي الذي وضع ذاك الدستور. فقد جاء في مادته الثالثة والأربعين أن "حرية الاعتقاد مصونة،.

وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية". وكانت تلك المادة موضعاً للجدل والشقاق بين القوى المدنية التي كانت تصر على إطلاق حرية العبادة للجميع، وبين الجماعات الدينية التي أصرت على قصرها على أصحاب الأديان السماوية.

ومن الطريف أنه لم يدر في خلد من أرادوا قصرها على أصحاب الديانات السماوية، أنهم بهذا يعطون اليهود الإسرائيليين الحق في بناء دور عبادتهم على أرض مصر، مع ما بين الشعب المصري وهؤلاء من عداوة تاريخية، ويمنعونها عن مواطني الهند من الهندوس، فضلاً عن مواطني الصين من البوذيين، رغم وقوف تلك الدولتين وشعبيهما تاريخياً بجانب حقوق الشعوب العربية، وبالذات في مناصرتها لحقوق الشعب الفلسطيني.

 

Email