الصين تمهد للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصادف عام 2013 الذكرى العشرين لتوقيع اتفاقيات أوسلو، ففي 1993 كانت الرغبة شديدة لإقامة سلام دائم بين العرب والإسرائيليين، ويعبر أيضا عن أمنية مشتركة لدى شعوب العالم بضرورة إحلال السلام في هذه المنطقة التي تلعب دورا بارزا في الاقتصاد العالمي.

بذلت الدول الكبرى والمنظمات الدولية جهودا حثيثة لتحقيق هذا الهدف، وطرحت اأميركا خارطة طريق لسلام دائم في الشرق الأوسط، واقترحت جامعة الدول العربية خطة سلام شاملة في قمة بيروت عام 2002. لكن إسرائيل أجهضت كافة المقترحات التي تساعد على إيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، واستمرت في بناء المستوطنات، والاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة.

ورغم التبدلات الاقتصادية الهائلة التي شهدتها الصين في مرحلة الانفتاح والإصلاح التي بدأت عام 1978، بقيت القيادة الصينية تصف القضية الفلسطينية بأنها جوهر الصراع المزمن في الشرق الأوسط. وفور توليه دفة الحكم، سارع الرئيس الصيني الجديد، شي جين بينغ، إلى تقديم اقتراح عملي من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية.

1- إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع الأخذ بعين الاعتبار الهواجس الأمنية المشروعة لإسرائيل.

2- التأكيد على أن المفاوضات هي السبيل الوحيد لسلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

3- التمسك الثابت بمبدأ "الأرض مقابل السلام" لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

4- التعاون والتنسيق بين القوى الفاعلة في المجتمع الدولي لضمان إنجاح عملية السلام.

أخذ هذا الاقتراح حيزا واسعا من نشاط الدبلوماسية الصينية في ظل القيادة الجديدة، ولم يقتصر التوجه على إيجاد حل سياسي للصراع فقط، بل شكل خارطة طريق تبنتها القيادة الصينية لحل النزاعات الدولية بالطرق الدبلوماسية، وبادرت أجهزتها إلى العمل على إعادة بناء رأي عام دولي متماسك، وبذل جهود إضافية لخلق مناخ ملائم لإعادة إطلاق محادثات السلام المتوقفة منذ مدة طويلة، وسط زيادة حدة الأزمات في الشرق الأوسط.

في هذا السياق، زار مندوب الصين إلى الشرق الأوسط، وو سي كه، الأردن ومصر ومقر جامعة الدول العربية بين 28 مايو و6 يونيو 2013، لتبادل الآراء مع الأطراف المعنية حول كيفية تحريك عجلة مفاوضات السلام.

واستنادا إلى النقاط الأربع التي تضمنها اقتراح الرئيس الصيني للتسوية في الشرق الأوسط، بذل مندوب الصين جهودا كبيرة لتحريك المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخرج بانطباعات إيجابية أبرزها أن لدى الجانبين رغبة صادقة في إحلال السلام والاستقرار في هذه المنطقة، وأن قادتها يرحبون بأية مبادرات إيجابية لإيجاد حل سلمي.

وبناء على طلب من لجنة الأمم المتحدة لحماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، استضافت الحكومة الصينية للمرة الأولى مؤتمر الأمم المتحدة لدعم السلام بين فلسطين وإسرائيل، الذي عقد في بكين يومي 18 و19 يونيو الماضي، بمشاركة نحو 150 ممثلا وخبيرا من أكثر من خمسين دولة ومنظمة عالمية. ويندرج المؤتمر في إطار مساندة الصين للشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه الوطنية المشروعة.

حرك الملتقى الدولي في الصين عملية السلام المتوقفة، وتخوف بعض وسائل الإعلام الغربية من أن تكون لقادة الصين الجدد سياسة جديدة أكثر فاعلية تجاه الشرق الأوسط، وادعى بعض المحللين الغربيين، أن تدخل الصين المباشر محاولة مكشوفة لتهميش دور أميركا في المنطقة.

وقد أوضح مسؤولون صينيون بارزون أن القيادة الصينية لا ترغب في منافسة الولايات المتحدة في منطقة نفوذها في الشرق الأوسط، بل تسعى إلى تجنيب شعوب هذه المنطقة مخاطر انفجار وشيك، بسبب عجز الدول الكبرى والأمم المتحدة عن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. ونبهوا إلى أن استمرار الحرب في سوريا سيترك انعكاسات كبيرة على الدول المجاورة.

لذلك دعوا إلى ضرورة التعاون بين الجميع لإحياء المفاوضات المتوقفة، وإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية، طالما أنها هي محور الصراع في الشرق الأوسط.

ونظرا للقلق الشديد على المصير لدى الفلسطينيين والإسرائيليين معا، ترى الصين أن عملية السلام تحتاج إلى جهود كبيرة من الدول الفاعلة. فبادرت لإحياء مفاوضات السلام بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، بصفتها الراعية الدائمة لعملية السلام في المنطقة.

وأكدت القيادة الصينية مرارا أن الصين تحافظ على علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة مع فلسطين وإسرائيل، وقدمت اقتراحات عقلانية ساهمت في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، وتركت للدبلوماسية الأميركية شرف الإعلان عن إحياء مفاوضات السلام التي أعلن عنها مؤخرا الوزير الأميركي جون كيري.

إن حل الصراع العربي - الإسرائيلي صعب ومعقد، ومن غير المتوقع أن تحقق المفاوضات نتائج إيجابية وسريعة لحل صراع مزمن قارب على المائة عام. لذا أقدمت الصين على مبادرة لإشراك المجتمع الدولي ودفعه لعمل مشترك، من أجل حل هذا الصراع بالطرق الدبلوماسية التي تعزز عملية السلام في الشرق الأوسط.

 فمهد مؤتمر بكين لإعادة إحياء المفاوضات برعاية أميركية، وتبنت سياسة الخطوات الصغيرة لدفع عجلة السلام المتوقفة. وهي تفتقر إلى التواجد السياسي والعسكري الفاعل في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها غير قادرة على رعاية الحلول المقترحة لهذا الصراع المزمن، فاكتفت بجمع طرفي الصراع في بكين لتقريب وجهات النظر بينهما. وسرعان ما تحركت الولايات المتحدة للإعلان عن إحياء المفاوضات، دون الإشارة إلى ما تحقق من إيجابيات في مؤتمر بكين.

ختاما، ليست لدى الصين الرغبة أو القدرة على تهميش الدور الأميركي، لكنها تسعى إلى تشكيل قوة دفع عالمية مشتركة لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تصطدم بالتحالف الأميركي - الإسرائيلي الرافض أساسا لأي حل سياسي في هذه المنطقة. فقد تبنى مقولة "الفوضى الخلاقة" لوصف الانتفاضات العربية، بهدف تفكيك جميع مكوناتها الطائفية والعرقية والقبلية، من أجل حماية المشروع الصهيوني وضمان تمدده بين الفرات والنيل.

Email