تحطيم اقتصاد الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الشرق الأوسط» أشرف البقاع على الأرض بها، وأعظم الحضارات عرفتها البشرية فيها، وأغلى أنواع الذهب الأسود به، ومعظم اتصال أهل الأرض مع أهل السماء كان فيها. أرض الأنبياء والرسل، أرض الصالحين والذاكرين الكُثُر.

اليوم ومنذ الأمس كانت محل صراع الحضارات، ومطمعاً لكل كبير وصغير من الدول والدويلات، منطقة يمكنها الاستغناء عن كل بقاع الأرض مادياً وروحانياً. لكن خطط لها منذ قرابة عقود من الزمان أن تكون محاصيلها ليست لها، وأموالها تخدم غيرها، والاقتصاد يمر فقط عبرها.

فلا تجد من يستفيد من خيراتها مثل غيرها، ولا من يدير اقتصادها ابن بلدها، ولا من يفرض عليها سياساتها من بني جلدتها. فهناك من أحسن استغلال المواقف عبر التاريخ ليس لسواد عيوننا لكن لمصلحتهم. فكما شرحت في مقالات سابقة الربيع العربي ليس غير شتاء اقتصادي علينا وربيع اقتصادي لخزائنهم هذه هي الحقيقة.

اقتصادياً وبعيداً عن السياسة واختلاف الآراء كانت بريطانيا في معزل جغرافي بعيداً عن مشاكل أوروبا الاقتصادية والكوارث الطبيعية. فكان كونها جزيرة ضمن لها عازلاً طبيعياً وحتى عندما اعتل اقتصاد أوروبا بسبب الثورات على ملوكها وتحويل النظام بها الى برلماني أو ديمقراطي كما يزعمون حافظت بريطانيا وبعض دول أوروبا على النظام الملكي الذي ضمن لها استقراراً سياسياً إلى اليوم.

النظام الملكي ضمن استقراراً اقتصادياً طويل المدى لبريطانيا بشكل عام، بل أعطاها قوة بأن تخرج خارج حدودها الجغرافية اقتصادياً فكانت هناك دول تحت التاج البريطاني تسمى دول الكومنولث، ويرمز لها بـ(CN) معروفة كذلك بالكومنولث أو الكومنولث البريطاني، وهو عبارة عن اتحاد طوعي مكون من 53 دولة جميعها من ولايات الإمبراطورية البريطانية سابقاً باستثناء موزمبيق ورواندا وطبعاً اللغة الرسمية هي اللغة الإنجليزية.

الرئيس ملكة بريطانيا، ولها أمين عام، أما المقر فهو قصر مارلبورو، لندن، المملكة المتحدة، وعد بلفور 18 نوفمبر 1926 وقانون ويستمينستر 11 ديسمبر 1931 وبيان لندن 28 أبريل 1949، وقد بلغ التعداد السكاني لهذه الدول مجتمعة قرابة ملياري نسمة عام 2005.

فالملكية اقتصادياً أكثر الأنظمة التي كان لها استقرار اقتصادي، لأن الملك لا يحتاج أن يأخذ شيئاً فهو يملك كل شيء ونظام الوراثة متعارف عليه وليس متنازع فيه من قبل أشخاص مجهولين لا تعرفهم ولا تعلم نواياهم. النظام الملكي قد يكون فيه عيوب لكنها لا تذكر اقتصادياً مقابل النظام الاقتصادي البرلماني والديمقراطي الذي يديره مجهولين والذي تولد من النظام الاقتصادي الرأس مالي والشيوعي.

بالدليل اتحاد الكومنولث كيف استمر وكان سيكون بدون النظام الملكي البريطاني وهو اليوم يساهم بشكل كبير في اقتصاد بريطانيا، واليوم دول مثل الخليج تحقق استقراراً ونمواً اقتصادياً إلى اليوم مقابل دول أغنى منها في الشرق الأوسط وأغنى منها في الموارد البشرية والاقتصادية وأكثر تنوعاً في الموارد وسبقتها في التطور الاقتصادي وعندها أيضاً النفط مثلها.

بتصوري اقتصادياً الذي قد لا يوافقني عليه البعض إذا لم يخرج العالم العربي على النظام الملكي لكانت دول مثل ليبيا وتونس والجزائر وغيرها أفضل حال مما هي عليه اليوم اقتصادياً، فمزاج الخوارج الذين حاربهم أبوبكر الصديق وعبر العصور لا يأتي إلا بالضعف والزعزعة الاقتصادية حتى في الدين.

وأجمل ما قال العالم الرباني الشيخ الشعراوي ،رحمه الله، في هذا: أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا أتمنى أن يصل رجال الدين إلى السياسة، لكن اقتصادياً إذا اسقطنا كلام الشيخ على دول معاصرة وقديمة تجد كيف يكون الكلام واضحاً.

اليوم أصبح الشرق الأوسط هزيلاً اقتصادياً فبعد هذا الشتاء الاقتصادي أتمنى من جامعة الدول العربية أن تقوم بدراسة شاملة فيها عدد العاطلين عن العمل، والخسائر المادية والبشرية، وهجرة رؤوس الأموال، وتكلفة الاقتصاد لإعادة التعمير.

علم الإدارة يقول إذا كنت لا تتقدم فأنت في مكانك، وإذا كنت في مكانك فانت تتأخر لأن غيرك يتقدم، ولكن ما حدث في الشرق الأوسط قديماً، وما يتكرر اليوم ما كان إلا أنه قد تسبب في تحقيق هوة كبيرة نحن تأخرنا فيها عن باقي الدول، اذهب وشاهد صور مصر أيام الملكية التي يتغنى بها المصريون إلى اليوم، وتذكر أين كان اقتصاد مصر أيام الملكية الذي كان يقرض دولة مثل بريطانيا وأين أصبح اقتصادها اليوم.

أما في نظري اقتصادياً لمن يظن الحل هو الديمقراطية، هل لا يوجد فقراء في النظام الديمقراطي؟ ولماذا كانت الدول الديمقراطية هي الأكثر تأثراً خلال فترة الانكماش الاقتصادي؟ لماذا قام متخذ القرار بتحميل المواطن أعباء الأزمة الاقتصادية في الدول الديمقراطية؟ ولماذا تحافظ بريطانيا إلى اليوم على النظام الملكي وتفتخر به؟ لماذا لا توجد حضارة بدون نظام ملكي؟ لماذا لا يوجد تاريخ طويل مزدهر لدولة بدون نظام ملكي؟ لماذا إلى اليوم الدول تحت النظام الملكي هي الأكثر استقراراً على المدى الطويل؟

 

Email