الجماعات الإسلامية في الحكم

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال العقود الأربعة الماضية، شهدت منطقتنا الشرق أوسطية ظهور مجموعة من الأنظمة الدينية، بدءاً بالثورة الإيرانية التي وضعت الخميني وأتباعه على سدة حكم إيران عام 1979، إلى قيام حكومة إسلامية بقيادة جبهة الإنقاذ في السودان "بتنظير" من الشيخ حسن الترابي وبرئاسة قائد الانقلاب عمر البشير في عام 1989.

وقد انقلب هؤلاء عسكرياً على حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً، ثم دارت الدوائر على زعيم الإخوان المسلمين الشيخ حسن الترابي، ليكون نصيبه العزل والإبعاد والسجن.

ومع انتهاء حكم العسكر في الدولة العلمانية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي تركيا، في أوائل ثمانينات القرن الماضي، خاضت الجماعات الدينية المعترك السياسي تحت مسميات عدة، منها حزب الخلاص الوطني بقيادة نجم الدين أربكان، ثم حزب الرفاه، وأخيراً حزب العدالة والتنمية الذي استطاع الفوز في الانتخابات التي جرت عام 2003، وليبقى في السلطة بقيادة الثنائي رجب أردوغان وعبد الله غول.

وكانت للإسلاميين تجربة قصيرة في أفغانستان بقيادة حركة طالبان امتدت لسنوات أربع، بدايتها كانت في 1996 ونهايتها جاءت بغزو أميركي في ديسمبر 2001، أي بعد شهرين من هجوم القاعدة الانتحاري على نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر. ونتج عن الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 هيمنة الجماعات الدينية على مشهده السياسي، لينتهي المطاف بتسلم حزب الدعوة مقاليد الحكم في بغداد بقيادة نوري المالكي.

لكن الموجة الكبيرة لصعود الإسلاميين إلى السلطة، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين أكبر أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة، كانت مع الربيع العربي الذي بدأ في تونس أواخر 2010، ليمتد إلى مصر لتحقق ثورتها في 25 يناير 2011، وفي اليمن وليبيا. ثم تفجر الوضع في سوريا، حيث تلعب الأحزاب والقوى الإسلامية، وبالذات المتطرفة، دوراً مهماً في العمليات العسكرية الجارية هناك.

ويمكننا بعد هذه التجارب التي امتدت إلى أربعة عقود، أن نستخلص بعض الملامح المشتركة لحكم جماعات الإسلام السياسي، مع استثناء التجربة التركية وذلك لقوة التيار العلماني فيها منذ أيام أتاتورك، ولواقعية الحركة الدينية التي تعاملت مع معطيات الحياة السياسية، ليس من منطلق الشعارات بل من منطلق ما تفرضه تلك المعطيات من حقائق.

لعل الاستحواذ على السلطة هو الخاصية الأبرز في حكم الإسلاميين، فلئن جاءت الثورة في إيران بتكاتف تيارات مختلفة وقفت صفاً واحداً ضد حكم الشاه، فإن التيار الديني بقيادة الخميني استأثر بالسلطة وأزاح جميع "رفاق الثورة"، والبعض من هؤلاء من شخصيات وجماعات إسلامية.

أما ما جرى مع طالبان وما هو قائم في السودان في ظل حكم البشير، فلا يحتاج إلى بيان. نزعة الاستحواذ والإقصاء هذه واضحة في العملية السياسية الجارية في العراق حالياً وحكومتها بقيادة نوري المالكي، فبعد أكثر من ثلاث سنوات على إجراء الانتخابات الأخيرة، ما زال المالكي يدير وزارتي الداخلية والدفاع خوفاً من أن تتسلمها شخصيات لا تنتمي إلى حزبه.

وكانت حكومة الإخوان برئاسة محمد مرسي في مصر، ماضية في هذا السبيل في سنة حكمها، فتنكر مرسي لكل القوى التي قادت ثورة الخامس والعشرين من يناير، ووضع دستوراً حسب مواصفات الإخوان، وأقال القضاة المناوئين وعين المحافظين الذين يسيرون في ركاب حزبه، وغير ذلك الكثير. والمواطنة كمفهوم عصري حصلت عليه الشعوب المتطورة بعد قرون من النضال، هو مفهوم غائب عند مختلف الجماعات الإسلامية، وإن كانوا يرددونه في الآونة الأخيرة.

المواطنة تعني المساواة في الحقوق والواجبات لأبناء البلد الواحد، لكن هذا المفهوم بعيد عن ممارسة الحكومات التي جاءت عن طريق شعارات إسلامية. فقانون انتخاب رئيس الجمهورية في إيران، على سبيل المثال، لا يفرق بين المسلمين وغيرهم، بل هو يفرق بين المسلمين أنفسهم، إذ يشترط على رئيس الجمهورية أن يكون مسلماً يتبع المذهب الشيعي الاثنى عشري.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن من يرشح نفسه لا بد أن يمر على "مجلس الخبراء" ليقرر هذا المجلس أهليته للترشيح لانتخابات الرئاسة. وبالمناسبة، فقد رفض هذا المجلس ترشيح رفسنجاني لخوض انتخابات الرئاسة الأخيرة، رغم أن رفسنجاني كان من قادة الثورة، فضلاً عن تسلمه لرئاسة الجمهورية الإسلامية لدورتين!

وللحديث صلة..

 

Email