أوهام الفصل بين العسكري والسياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

سبق للولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا أن اتخذت قرارات بوضع «حزب الله»، بجناحيه العسكري والسياسي، على لائحة الإرهاب، لكنها لم تنجح في التضييق على المنظمات اللبنانية الداعمة لصمود المقاومة، وتثبيت اللبنانيين على أراضيهم، ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان. وكانت بريطانيا قد أدرجت الجناح العسكري لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، كما أدرجت هولندا الحزب بأكمله على لائحة الإرهاب.

في 22 يوليو 2013، نجحت الضغوط الأميركية والإسرائيلية، في دفع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرار ملتبس، قضى بإدراج «الجناح العسكري لحزب الله» على قائمة المنظمات الإرهابية، وأكد في الوقت نفسه على مواصلة الحوار مع جميع الأحزاب السياسية في لبنان، بما فيها «حزب الله».

تتضمن القرارات المماثلة تجميد أرصدة، وحجز أملاك، ومنع إصدار تأشيرات لكل من يثبت انتسابه إلى الجناح العسكري للحزب، في دول الاتحاد الأوروبي، وهي تخضع للمراجعة وإعادة النظر في بنودها بعد ستة أشهر، لكن إلغاء القرار يتطلب الإجماع.

كان من الطبيعي أن تهلل الولايات المتحدة وإسرائيل لهذا القرار فور صدوره، ودعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الدول الأخرى لتحذو حذو الاتحاد الأوروبي، فتتخذ خطوات عملية لفرض رقابة على أنشطة «حزب الله» التي وصفها بالإرهابية والإجرامية. وهللت إسرائيل لنجاح دبلوماسيتها على الساحة الأوروبية، بعد تصنيف «حزب الله» كمنظمة إرهابية، لكنها أبدت انزعاجها وعدم رضاها عن التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري، وطالبت بخطوات مستقبلية أكثر حزماً ضد الحزب.

لم يفاجأ لبنان الرسمي بالقرار الأوروبي لأنه كان متوقعا، فانصبت جهود الدولة اللبنانية على معالجة الانعكاسات السلبية للقرار على المجتمع اللبناني، المنقسم عموديا بين مرحب به بحفاوة بالغة، ورافض له بالمطلق. وطالب رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال سليمان، الاتحاد الأوروبي بأن يعيد النظر في قراره من منطلق الحرص على استقرار لبنان، وأكد على أن الخيارات السياسية التي تطال المقاومة اللبنانية وسلاح «حزب الله»، يجب أن تبحث فقط في هيئة الحوار الوطني، لأنها تطال ركائز الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان.

رفض «حزب الله» القرار بالمطلق، ورأى فيه خضوعا من دول الاتحاد الأوروبي لضغوط أميركية وصهيونية، ولذلك بدا «وكأنه كتب بأيد أميركية وحبر صهيوني، فيما لم يكن مطلوبا من أوروبا سوى أن تمهر توقيعها بالموافقة»، فالقرار ظالم ولا يعبر عن مصالح شعوب الاتحاد الأوروبي، بل يشكل النقيض لقيمها وتطلعاتها الداعمة لمبادئ الحرية والاستقلال.

 ونبه إلى أن الولايات المتحدة سبقت الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرارات مماثلة، دون أن تجني منها سوى خيبة الأمل، فهناك قوى عربية وإسلامية قررت الدفاع عن مصالحها بعيدا عن الوصاية الأميركية والأوروبية المنحازة دوما لإسرائيل، ولديها القدرة على الدفاع عن حقوقها المشروعة بكل الوسائل المتاحة.

دلالة ذلك أن قرار الاتحاد الأوروبي جاء مرتبكا نصا ومضمونا، فجعل من «حزب الله» منظمة عسكرية إرهابية مطاردة أوروبيا، وحزبا سياسيا فاعلا لا بد من التعامل معه بإيجابية، لأنه يمثل شريحة اجتماعية كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان. كما أن القرار الجديد لا يستطيع منع «حزب الله» من التعاون مع النظام السوري.

في وقت تنتشر فيه على الأراضي السورية مجموعات إرهابية كبيرة من عشرات الجنسيات العالمية، ومنها جنسيات أوروبية تحديدا، ويزيد عدد مقاتليها على الستمئة، وهي تشارك في القتال ضد الشعب السوري، وتلقى دعما مباشرا بالمال والسلاح من الولايات المتحدة ودول أوروبية وغيرها.

ليس من شك في أن فصل الجناح السياسي عن الجناح العسكري في القرار الأوروبي، يهدف إلى عدم تحميل الحكومة اللبنانية، المستقيلة أو المرشحة للتأليف، سلبيات القرار الأوروبي ضد «حزب الله».

وتدرك دول الاتحاد الموقعة على القرار، أن لبنان دولة ضعيفة تنفعل بالأزمة السورية أكثر مما تفعل فيها، وأنها عاجزة عن منع أي من الأطراف اللبنانية من المشاركة في حرب متعددة الجنسيات والأهداف على سوريا. وترهن قوى لبنانية مستقبلها السياسي على نجاح المعارضة في إسقاط النظام السوري لكي تنفرد بحكم لبنان، وتراهن أخرى على صمود النظام ودخول المعارضة السورية في مفاوضات سياسية معه، مما يساعد على إقامة نظام سياسي لبناني متحالف دوما مع سوريا.

بيد أن إدراج «حزب الله» ضمن لائحة المنظمات الإرهابية، لا يهدد الحزب فقط، بل استقرار لبنان وأمنه، لأن مصدر التهديد الأساسي هو إسرائيل التي كانت وراء صدور القرار وهللت له، وهي ترفض جميع القرارات الدولية، وتستمر في بناء المستوطنات على أرض فلسطين، وتهجر بدو النقب وتصادر أراضيهم دون أن يتحرك الاتحاد الأوروبي.

ومن غير المقبول أن يستمر الاتحاد الأوروبي في توصيف إسرائيل، بعد كل هذه الجرائم اليومية التي ترتكبها ضد العرب، بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن على دول الاتحاد دعمها، والاعتراف بحقها في الاعتداء على الآخرين وتهجير الشعب الفلسطيني بأكمله. فإسرائيل دولة عسكرية تمارس إرهاب الدولة، ولا تعرف سوى لغة السلاح. وبالتالي، فانحياز الاتحاد الأعمى لإسرائيل، هو خضوع مطلق للضغوط الأميركية.

ختاما، يرى مناصرو المقاومة الوطنية أن قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج الجناح العسكري لحزب الله على لوائح الإرهاب ليس جديدا، ولا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، فليس لدى قادته العسكريين مصالح مهمة في أوروبا، ولن يحملهم القرار على مغادرة ساحة القتال في سوريا.

كما أن رفض الدولة اللبنانية وغالبية الأحزاب والمنظمات السياسية في لبنان لهذا القرار الأميركي ـ الأوروبي ـ الصهيوني، يؤكد أن قوى المقاومة والتغيير في الدول العربية والإسلامية مصممة على ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن مصالحها الأساسية، واسترجاع أراضيها المغتصبة وإرادتها المسلوبة، بكل الوسائل المشروعة. وبعد تصويب مسار الثورة في مصر، بات المواطن العربي على قناعة تامة بأن مقاومة المشروع الصهيوني تتجه لتعزيز الكفاح ضد إسرائيل، ورفض المقياس الغربي الراهن للديمقراطية باعتباره مقياساً إسرائيلياً بامتياز.

 

Email