«ومن الطموح ما قتل»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يذهب الكثير منا بعيداً في أفكاره، ما هي أفضل التخصصات التي يمكن أن أدرسها حتى أضمن مستقبلي؟ ثم بعد أن يتخرج يبحث ويقول ما هي أفضل وظيفة أو مهنة يمكن الالتحاق بها في سوق العمل؟ وبعد أن يعمل يبدأ في البحث ما هي أفضل الاستثمارات التي يمكن أن تضمن لي ربحاً كبيراً وآمناً؟

كثيراً ما تردني هذه الاستفسارات من القراء وبعض الخريجين الجدد من الجامعات وأحياناً من أبناء بعض الأصدقاء على مختلف أعمارهم. الكل يبحث عن النجاح والكل يفكر في المستقبل والكل يريد أن يعيش حياة رغيدة، وهذا من طبعنا بني البشر.

إن القاسم المشترك اذا نظرت في عمق طلبات هذا المحتار بين ذاك الاختيار، تجد أنه يريد أن يكون بمستوى اقتصادي جيد يسمح له العيش بين منحنى العرض والطلب في أعلى مستوياته.

يظن بني البشر أن الذهب والفضة هي أفضل أداة تعارف عليها لتقيم هذه المنفعة بقدر الاستهلاك من ناحية القيمة فأنت تعطي الذهب مقابل رغبتك في شراء الشيء أو البضاعة. ولكن الحقيقة تسقط قيمة الذهب أمام رغبتك في شراء سلعة ما وإلا كيف تفسر تخليك عن الذهب الغالي لحصولك على سلعة لم تتفق البشرية على قيمتها مثل الذهب والفضة.

بعد هذا التأصيل الذي قد يوافق عليه البعض وقد لا يوافق عليه البعض الآخر، نذهب في رحاب حديث رسول الله «صلى الله عليه وسلم» حيث قال: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه الترمذي.

وحدثنا هداب بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة عن مطرف عن أبيه قال (أتيت النبي «صلى الله عليه وسلم» وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي قال وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت).

الآن وقد عرفنا جواب سيدنا رسول الله في جوهر الموضوع بأعراف وقوانين الناس، هناك جواب آخر بقوانين رب الناس وهو العالم الغيبي، حيث قال «صلى الله عليه وسلم» (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه في أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)، وأيضاً قال الله جل جلاله في محكم التنزيل في قوله تعالى: { وَفِي لسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }، وقال بن كيسان: يعني وعلى ربّ السماء رزقكم؛ نظيره: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي لأَرْضِ إِلاَّ عَلَى للَّهِ رِزْقُهَا }.

إذا استصحبنا طبيعة بني البشر والنواميس الكونية التي جعلها الله تنظم هذه الحياة، عرفنا انه ليس هناك تخطيط مستقل يمكنك أن تقوم به بعيداً عن هذه النواميس الكونية. وإلا فأخبرني عن خطة قمت بها في وظيفتك منذ الدراسة، وأول مكان عملت به وأين قد انتهى بك الحال في وظيفتك الحالية بعد ٢٠ عاماً من العمل.

أعرف أناساً حصلوا على وظائف لا يرونها في أحلامهم على حد قولهم، ورأيت حملة شهادة دكتوراه يعملون تحت مدير حامل بكالريوس، ورأيت أناساً حاربوا وخططوا للحصول على المناصب لكن من الطموح ما قتل.

 وهذه وصية سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم لك»، ذكرها الحاكم في كتاب البيوع عن ابن مسعود، أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال: «ليس من عمل يقرب إلى الجنة، إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرب إلى النار، إلا قد نهيتكم عنه، لا يستبطئن أحد منكم رزقه ان جبريل عليه السلام ألقى في روعي أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصية».

ختاماً ما أجمل تطعيم الطموح بالايمان وان يعتدل عندك الميزان، فهذا الإمام الشافعي صاحب المذهب، كتب في صفحات الزمان بنور الإيمان، وبقلم العلم على سطور الفهم حيث قال: ورزقك ليس ينقصه التأني..وليس يزيد في الرزق العناء

ولا حزن يدوم ولا سرور.. ولا بؤس عليك ولا رخاء

إذا ما كنت ذا قلب قنوع.. فأنت ومالك الدنيا سواء.

Email