هل تفتح إيران نوافذها المغلقة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمام جمهورية إيران الإسلامية فرصة نادرة لكي تفتح نوافذها المغلقة، أو تبقى في ما كانت عليه منذ أيام الثورة الإسلامية، في عزلة متزايدة عن العالم، مع أن عزلتها عن العالم لم تكن من خياراتها وإنما فرضت عليها.

يتحتم علينا في كثير من الأحيان والأمور المصيرية، أن نحكم عقلنا قبل عواطفنا، خاصة عندما تكون المسألة متعلقة بمصير دولة وحياة شعب.

لا أحد في الشرق يحب الغرب في سياسته، ولا أحد ينكر مدى الكره المتزايد بين المسلمين والغربيين لأسباب استعمارية.

هناك بين المعسكرين تاريخ مليء بالدم والثأر والاستغلال، لم يستطع الإعلام الغربي بكل وسائله مسحه من ذاكرة العرب والمسلمين، بل إن السياسة الغربية الحالية تجاه المسلمين تعمق من هذا العداء. ولو كانت لدى المسلمين القوة التي تملكها روسيا على سبيل المثال، لتم التعامل معهم بطريقة مغايرة.

غير أن معظم الدول الإسلامية فضلت إضاعة وقتها وقوتها ومواردها في مهاترات وخلافات وحروب استنزاف جعلتها تتخلف عن مسيرة العالم بمئات السنين. في الوقت الذي أخذت بعض الدول العزة بالنفس، ومنها إيران.

ليس ذلك فحسب، فالصراع بين إيران والغرب قديم جداً منذ زمن حروب الفرس والروم قبل الميلاد، واشتدت ضراوته بعد اكتشاف النفط في إيران.

وطالما يقدم النفط لجشع الغرب (كما كان أيام حكم الشاه) برخص التراب، فإن الغرب سيظل صديقاً حميماً لإيران ولكل من يمنحه، وعندما قام رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق بتأميم النفط، تحولت إيران ودون مقدمات إلى عدوة لدودة للديمقراطية الغربية.. حتى أطاحوا به! وعندما نجحت الثورة الإسلامية في إيران نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ضد نظام دكتاتوري قهر شعبه ليحمي مصالح الغرب، فإن أول ردة فعل للثوار كانت إعلان العداء للغرب بشعارها المعروف: "الموت لأميركا".

ومن الطبيعي أن لا يكون الأمر غير ذلك في بداية الثورة، وإلا لاتهم الخميني بخيانة مبادئها.

وتوقع الكثيرون أن تعود الأمور إلى مجاريها في العلاقة مع الغرب، بعد أن تنهض الدولة الإسلامية الناشئة على قدميها، غير أن الحرب العراقية الإيرانية المدعومة من الغرب لضعضعة إيران من الداخل، عمقت خلافها مع الغرب وانغلاقها أكثر على نفسها.

وعندما فشل الغرب في خطته، اخترع فكرة الحرب على الإرهاب الإسلامي وعد إيران من الدول التي ترعاه، واستطاع أن يحاصرها من كل صوب، ورفضت إيران الرضوخ رغم التهديدات والحصار المتزايد، وبلغ السيل الخطوط الحمر عندما اكتشف أمرها وهي تبني مفاعلاتها النووية بسرية تامة.

ومع أنها أعلنتها سلمية، إلا أن الغرب صورها على أنها تمثل جانباً من جوانب مخططات تمددها، وأن "إيران الإسلامية" أصبحت تهدد مصالح المنطقة وأمن إسرائيل، وبالتالي الأمن العالمي.

وأصبح حصارها الذي بدأ يأخذ بعداً أكبر، أمراً أكثر تعقيداً مع تصريحات الرئيس المنصرف أحمدي نجاد بخصوص مسح الكيان الصهيوني من على خارطة العالم. وكان هدف الغرب هو الإطاحة بهذا النظام الذي يجاهر بأنه لا يخشى الغرب، ومن ثم إعادة إيران إلى حظيرة المجتمع الدولي الذي يتبع فلك الغرب!

بسياستها تلك دفعت إيران ثمناً باهظاً، وأصبحت مرفوضة ليس فقط من دول العالم الغربي، ولكن أولاً من قبل جيرانها الأقربين في المنطقة، وبدأ اقتصادها يأكل بعضه ومدنيتها تتدنى وأمورها على غير ما يرام، رغم ما يقال عن تفوقها العسكري واكتفائها الصناعي والإنتاجي. غير أن الشعور بالعزلة لا يمكن تحمله، وهو يشبه إلى حد معا العيش في زنزانة مفردة.

اليوم إيران تنوي على يد حسن روحاني، أن تحسن من صورتها وتروج عن نفسها، فجيلها من الشباب يتلهف إلى الحياة كغيره. صحيح أن إيران تلعب بدهاء، وتعرف أين ومتى تضع قدمها، وأنها خبيرة في المناورات السياسية وتملك قدرات عسكرية لا يستهان بها، إلا أن الإنسان في إيران بدأ يفكر في فتح نوافذه على العالم، الذي يحاربه منذ ما قبل الميلاد بمائة سنة.

Email