هل من مقاربة تاريخية تفرضها الأحداث الجارية في مصر اليوم بين وضع واشنطن حول العالم في 2013 وبين لندن في أعقاب العدوان الثلاثي الفاشل على مصر عام 1956 ؟
الفشل الأمريكي في مصر يمكن أن يكون بالفعل معيارا ومعادلا موضوعيا لفشل بريطانيا العظمى في فهم تغير العالم من حولها عام 1956 غير أن الأمريكيين لهم أذان ولا يسمعون ؟
خذ إليك اقرب الحلفاء إلى واشنطن فعبر يديعوت احرونوت تكتب " سيمدار بيري " تحت عنوان " الفشل الأمريكي تقول "الرئيس اوباما لا يكف عن الخطأ هو الذي دفع نحو الإطاحة بمبارك باسم الديمقراطية، وهو الذي عين مبعوثين خاصين لفتح قناة مع الإخوان المسلمين ولم يصر على أن ينتزع منهم ضمانات بالديمقراطية ". هل يعني الإخفاق الأمريكي في المسألة المصرية أن سلوك القوة العظمى الأولى حول العالم يؤشر على الضعف والإحجام الذي تعيشه ويشي بان إستراتيجية القيادة من الخلف التي ابتدعها باراك اوباما ليست سوى تغطية على سياسة ضعيفة؟
وإذا كان ذلك كذلك فهل ينسحب الأمر على الرؤية الأمريكية المحدودة للعالم ما بعد الحداثي والعولمي ما يعني أن فرط الامتداد الإمبراطوري الذي تعيشه بات يكلفها بالفعل الموقع والموضع رقم واحد حول العالم ؟
ربما لا يكون هذا هو وقت التنظير الكلامي بل الاستشهاد بالحقائق على الأرض وبرؤية أمريكية ربما ليست حليفة لواشنطن، رؤية لعميد كلية " "لي كوان يو" للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية " كيشور محبوباني " وقد وردت في كتابه " التقارب الأعظم أسيا والغرب " إذ يتساءل " ألا يوجد من يخبر الأمريكيين بحقيقة رياضية بسيطة وهي أنها اليوم تشكل 3% من سكان العالم ولذا فانه لم يعد بوسعها أن تهيمن على بقية العالم لاسيما وان آسيا التي تشكل 60% من سكان العالم لم تعد ضعيفة الادعاء ؟".
لم تكن الجماهير الهادرة التي تجاوزت الثلاثين مليون نسمة التي خرجت عبر شوارع وحواري وأزقة مصر تدرك أنها وعن غير قصد تقوض إستراتيجية واشنطن الداعمة للفوضى حول العالم عبر استغلال تيار الإسلام السياسي بدءا من الشرق الأوسط وصولا إلى الصين وروسيا حيث المواجهة القطبية كفيروس لاختراق مناعة الأنظمة القومية الوطنية أكثر ما تخشاه واشنطن.
هل ما جرى في القاهرة فضح فكرة القوة الأمريكية الغالبة وأبرز تصدعات السياسة الأمريكية ونهاية حدود القوة.
قدر البريطانيون بالخطأ أن الهجوم على مصر في ذاك الزمان سيؤدي إلى انكسار عبد الناصر، وقد جاءت النتيجة بالعكس المطلق فزادت شعبية وكاريزمية الرجل لا في أعين مواطنيه بل العالم الحر بأكمله .
وقدر اوباما بان توفير دعم لرئيس ينتمي إلى الإخوان المسلمين ظنا منه أن نمط حكم الإخوان المسلمين هو سمة عصر المستقبل، واغفل أن الشعب المصري عصى على التلاعب به أو التحكم فيه من فصيل واحد ،حتى وان جاء تحت راية دينية.
أطلقت واشنطن على خطتها التي أرادت من ورائها اللعب على أوتار الإسلام السياسي " الربيع العربي " ولم تدرك كما عادتها وعلى الدوام أن السحر سينقلب على الساحر وباتت اليوم تواجه استحقاقات "شتاء سيبيريا" قاسيا، فما جرى في مصر حتما سيمتد تأثيره إلى ما حولها من دول بدءا من تونس مرورا بليبيا وصولا إلى الانعكاسات المؤكدة على ما يجري في سوريا، ما يجعل مشروع واشنطن لتسليم دول المنطقة إلى " وكالات استعمارية قديمة " أمرا خارج إطار الحديث ، وهو ما سيعجزها عن المضي قدما نحو الباسفيك حتى تتفرغ للصين وروسيا واللتان اغلب الظن مدينتان لمصر والمصريين في تعطيل المشروع الأمريكي حتى ولو إلى حين .
تعيش الولايات المتحدة انهيارا لفكرة " مخلص العالم " عربيا وإسلاميا، وبذات القدر تنهار مصداقيتها وأخلاقيتها في عيون جناحها الأوروبي بعد تكشف فضائح تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية على مكاتب الاتحاد الأوروبي.
أما عن المواقف الصينية والروسية من الإدارة الأمريكية الاوبامية الحالية فيكفي المرء النظر إلى صورة اوباما وبوتين في قمة الثماني الأخيرة ليدرك كيف أنها تتردى وتكاد تتجاوز خطوط الحرب الباردة إلى الساخنة ، ناهيك عن استعلان العداوات الصينية تجاه الأمريكيين.
الزلزال المصري الأخير ربما يكون مبكرا الحديث عن تبعاته الارتدادية لاسيما إذا ما تم الكشف عن كثير من جوانبه الخفية، وعما جرى في مصر العام الفائت، غير انه حتما يحمل في اضعف تقدير ملمحا وملمسا ما مما جرى في السويس 1956وما هو متوقع حدوثه في واشنطن التي تتحاكى اليوم عن استجوابات قريبة جدا لاوباما ربما تذهب به إلى حد تقديم الاستقالة أو العزل ، ما يعزز فكرة الانعزاليين الجدد في أمريكا ، أولئك الذين يرون انه حان الوقت للرجوع إلى الخلف كما عادت بريطانيا بعد غزو السويس الفاشل .
والليالي حبلى دائما بالمفاجآت .