الائتلاف الوطني السوري معارضة بلا قاعدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال شهر واحد، عقد الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، دورتي اجتماعات، وسع نفسه في الأولى فرفع عدد أعضائه من 74 عضواً إلى 114 عضواً.

على أمل أن تغيَر هذه التوسعة البنية العامة للائتلاف، وتجنيبه أن تسيطر عليه فئة بعينها، وأصبح مؤلفاً من تيارات سياسية سورية متعددة، وانتخب الائتلاف في دورة الاجتماعات الثانية أعضاء قيادة مكتبه الخمسة (الرئيس ونوابه الثلاثة والأمين العام) وأعضاء الهيئة السياسية الإثنى عشر، وأكمل الائتلاف بذلك إعادة هيكلته وتنظيمه وأعد الشروط الموضوعية للانطلاق، حسب ما قال معظم أعضائه في نهاية دورة الاجتماعات.

ولد الائتلاف الوطني السوري الذي تشكل قبل عدة أشهر من رحم (المجلس الوطني السوري) وهو بالتالي وريث هذا المجلس، الذي تأسس في الشهر التاسع من عام 2011، وطرح نفسه منذ اليوم الأول ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، دون أن يفوضه الشعب السوري بذلك، وقد عقدت دول ما سمي (أصدقاء سوريا) عدة اجتماعات بعد عدة أشهر (شارك في بعضها 114 دولة) وقررت أنه ممثل شرعي للشعب السوري، دون أن تعتبره ممثلاً وحيداً.

وبعد أسابيع من آخر اجتماع لهذه الدول، رأت أن المجلس فاشل ومتهافت وغير جدير بقيادة المعارضة، وتوصلت إلى تأسيس الائتلاف الوطني بدلاً منه في اجتماع عقد في الدوحة قبل بضعة أشهر، وبدا أن المعارضة السورية الخارجية، من خلال الهيئتين (المجلس الوطني والائتلاف الوطني) لا تملك في الواقع أن تقرر مصيرها أو مصير الشعب السوري. أي لا تملك من الأمر شيئاً، لأن الأمر برمته بيد الدول الراعية، وقد كان تأسيس هذه الهيئات وحلها بقرارات من الدول الراعية دليلاً على ذلك.

تشكل المجلس الوطني كما تشكل الائتلاف من شخصيات سورية مقيمة في الخارج، وقد وجدت بالانضمام إلى المجلس أو الائتلاف فرصة مجانية تدخلها في العمل السياسي (والنضال السياسي) دون أي ثمن تدفعه، وقد بدأت هذه المعارضة السورية منذ يومها الأول طرح شعارات متشددة وبعيدة عن الواقع وعن إمكانية التحقيق في ذلك الوقت، كما أنها (لظروف أعضائها الذاتية) تعاونت مع دول عربية وغير عربية وأخذت منها مساعدات مالية من دون حدود، وفي النهاية ارتهنت لها، وتجاهلت أموراً جوهرية عدة: أولها ضرورة وضع استراتيجية واضحة ومحددة وواقعية تأخذ الإمكانيات ومصالح الشعب السوري وواقع سوريا ومستقبلها بعين الاعتبار.

وثانيها أنها تجاهلت المعارضة الداخلية واعتقدت أنه يمكنها إقناع الحراك الشعبي في الداخل بتنحيتها واعتمادها هي ممثلاً وحيداً له، وارتكبت خطأ يشبه الخطيئة وهو أنها أخذت تعتبر المعارضة الداخلية عدوها الرئيس، وأطلقت عشرات التهم الكاذبة ضدها لتبقى وحدها في الميدان وبذرت بذلك بذور العداء والشك والريبة بالمعارضة الداخلية وبفصائل المعارضة عامة، وثالثها أنها طرحت شعارات إسقاط النظام والاستعانة بالتدخل العسكري الخارجي وأهملت قوة وسطوة الحراك الجماهيري فأضعفت هذا الحراك ولم تفلح في جلب التدخل العسكري الخارجي، ورابعها أنها لم تجد غضاضة في الخضوع لاقتراحات الدول الأخرى والكيل بمكاييلها.

وفقدت بذلك خصوصيتها واستقلالها، وأخيراً أهملت التنسيق الجدي والتلاحم النضالي مع الحراك الشعبي ومع الداخل السوري وحصل انقطاع كبير مع هذا الحراك وصار كل منهما في واد.

ساعدت الدول الحليفة والإعلام الخارجي بتعويم المعارضة السورية الخارجية وتمجيدها، وازدادت أخطاؤها وسقطت في مناخ بيروقراطي، واستمرت في قلب الأولويات وغرقت في المؤتمرات والندوات والتصريحات الإعلامية، وفي ضوء ذلك القصور كان لابد من تغيير المجلس الوطني وتأسيس الائتلاف، ثم وقع الائتلاف بالأخطاء نفسها وأوشك الحلفاء أن يغيروه، وخلاصة القول إن ارتهان المعارضة الخارجية السورية ومحاربتها (هي وحلفاؤها) للمعارضة الداخلية وعدم إيمانها بالنضال الشعبي والحراك المجتمعي، إضافة إلى وحشية النظام وعنفه وقمعه وتدميره للبلدات والمدن، أدى إلى نمو المعارضة المسلحة وكسبها تأييد الجماهير التي صارت ترى في المعارضة الخارجية عالة على نضالها، وكان الشعب السوري دائماً يدفع الثمن غالياً.

يقول أعضاء الائتلاف الوطني الآن أنه أعاد هيكلة نفسه، وأنه سيضع استراتيجية جديدة شاملة وسيقضي على انقساماته الداخلية، وتسربت بعض التصريحات من حلفاء الائتلاف في الخارج توحي ببعض التفاؤل.

ويعتقد العارفون إن إعادة هيكلة الائتلاف التي تمت قبل أسبوع أدت إلى نقل الهيمنة عليه من يد دولة إلى يد دولة أخرى، وأن هذه الهيكلة لا تنفع وحدها في مواجهة النظام إن لم تتوافق مع استكمال النواقص والأخطاء الهائلة التي وقعت فيها المعارضة السورية في السابق. وخاصة التنسيق مع الحراك الشعبي الفعلي وإتباع أساليب شعبية حقيقية لمقاومة النظام (وتجربة مصر ماثلة أمامها) وإلا ستتجه الدول ذات العلاقة من أصدقاء وحلفاء، إلى تشكيل حكومة نصفها من العسكر (الجيش الحر) ونصفها مدنيون والاعتماد عليها في المراحل المقبلة، بدلاً من المعارضة السياسية التي مازالت ممزقة مترنحة لا تعرف ماذا تريد أو ماذا لا تريد.

Email