هكذا غص «الإخوان» باللقمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأول مرة منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا عام 1928، لم تواجه هذه الجماعة صداماً دموياً مع الأنظمة الحاكمة بهذا الحجم. ولم يعرف العالم حقيقة هذه الجماعة إلا بعد أن وصلوا ولأول مرة في تاريخهم إلى سدة الحكم في جمهورية عربية عظمى.

هذا الصدام كان لا بد أن يقع.

وكان لا بد أن تفتح الملفات المغلقة لنظام عمل في بدايته سرا ثم ظل إما غامضاً أو غير ملفت للنظر. وصداماته مع الأنظمة الحاكمة في مصر منذ زمن الملك فاروق حتى عبد الناصر والسادات ومبارك، لم تصل إلى ما وصلت إليه بعد أحداث الثلاثين من يونيو.

لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين تمكنت وعلى مدى 85 عاماً من أن تتحول من فكرة صاعقة إلى مشروع كيان متماسك قائم على نظام وترتيب من الدرجة الأولى وتطورت غاياتهم وأهدافهم من مجرد الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي من منظور إسلامي محدود إلى الهيمنة الكاملة.

حتى ولو رفضنا ما حاول أن يلمح إليه المؤلف ثروت الخرباوي عضو الإخوان المسلمين السابق والمنشق في كتابه (سر المعبد الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين ) من علاقة الجماعة بالماسونية، إلا أنه من الصعب استبعاد فكرة استفادة الجماعة من تاريخ ونظام وأهداف الماسونية للوصول إلى ما وصلوا إليه.

واحدة من أهداف الماسونية هو الهيمنة الكاملة على مقدرات العالم. وقد حصل لهم هذا.

ولكن الماسونية عملت في الخفاء، واستطاعت أن تتغلغل بكل ذكاء ودون إثارة مشاعر العداء في المجتمعات الدولية بما يشبه أذرع الأخطبوط التي تندس تحت رمال البحار ولا تزحف للشاطئ، حتى لم يبق رجل أو امرأة ذات نفوذ إلا ووقع في شراكها ونذر نفسه للدفاع عن أغراضها دون أن يشعر. وقد استغرق هذا العمل منهم قروناً طويلة دون كلل أو ملل.

بيد أن نسخة الجماعة كانت سيئة التطبيق، فأرادوا أن يقفزوا إلى الدور العشرين وهم ما زالوا في الدور الأول. وهكذا نحن كعادتنا، لا نتحلى بالصبر ونفتقر إلى التفكير الهادئ والتخطيط السليم والسرية شبه الكاملة. وإذا ما افترضنا أن عام 1928 هو بداية هذا التنظيم كفكرة فهو لم يتحول إلى الفعل إلا بعد سنوات من ذلك التاريخ.

وإذا ما طرحنا هذا التاريخ من تاريخ التنكيل بهم من قبل عبد الناصر فإننا سوف نحصل على فترة زمنية تقارب الثلاثين عاماً فقط. وما انقلب عليهم هذا الأخير إلا بعدما شعر بخطورة مخططاتهم لسرقة ثورته في بدايتها. وأعادوا الكرة مع أنور السادات، وقفزوا فجأة إلى العنف فقتلوه في وضح النهار أمام أجهزة الإعلام شر قتلة تحت غطاء الانتقام ولكن خلف هدف الاستيلاء على حكم البلاد. فحصل لهم الأول وخابوا في الثاني.

 وفي عهد حسني مبارك، كرروا المغامرة مرة ثالثة وهم على عجالة من الأمر. فكشف مخططاتهم وحاصرهم حتى شتتهم. وانتهى نظام مبارك إلى ما انتهى إليه بفضل ثورة وغضب الشباب ممن لا ينتمون إلى نظام أو حزب أو جماعة، وإذا بإخواننا المسلمين يغتنمون فرصة غياب الذئب لسحب الغنيمة من يد الصياد. وبالفعل كان لهم ما أرادوا، فوصلوا إلى حكم جمهورية بحجم مصر الذي طالما حلموا به وبها. وبنفس الرعونة جروا لالتهام المائدة دون أن يتركوا لقمة لغيرهم بل وتنازعوا فيما بينهم عليها، وغفلوا أثناء نزاعهم، عن بناء ما خلفته 30 عاماً بالتمام والكمال من الفساد والحكم غير العادل وأثبتوا كم هم جهلاء أمام إدارة الماسونية لمخططاتها.

لو أن جماعة الإخوان بمجرد أن وصلوا إلى سدة الحكم، شكلوا حكومة وحدة وطنية تجمع كل القوى الأخرى من المعارضة والمعتدلين والوسط وتضم إليهم الأديان الأخرى واستفادوا من خبرات الكفاءات التي تمتلئ بها أزقة مصر، لما سقطوا هذه السقطة المؤلمة التي قضت مضاجعهم.

إلا أنهم فضلوا بلع اللقمة لوحدهم واستخدموا لتحقيق ذلك أبشع أنواع التفرقة وإثارة الفتن بين المذاهب والأديان وأهملوا البلد أياً إهمال، وعملوا على تصدير أفكارهم إلى خارج حدودهم حتى قبل أن تستقر أوضاعهم، وتبين من خلال خطبهم بأنهم أبعد ما يكونون عن خلق وتعاليم الدين الحنيف في تطبيق مبادئه السمحة واللجوء إلى العنف بكل أشكاله ووسائله، فانكشفوا على صورة غير تلك التي خدع بها الكثيرون ممن آمنوا بهم أو دعموهم وكنا كثر.

Email