شيخوخة صحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يامن غزا الشيب رأسهم وارتسمت تجاعيد الحكمة والوقار على محياهم، وانحنت تجارب الزمان على ظهورهم، اهديكم كلمات لعل وعسى يكون فيها رد القليل من كثيركم.

مرحلة عمرية مختلفة. فيها من التحديات الكثير لكنها مغلفة برداء من الحكمة والوقار والسكينة. بهذه الفئة يتم تقييم الدول في مؤشراتها الحيوية المختلفة ومنها الصحية.

تتميز مرحلة الشيخوخة بإعادة جدولة لعمل اعضاء الجسم المختلفة. الكليتان تعملان بطاقة اقل وكذلك الكبد. عظام الجسم تبدأ في الترقق. وخلايا الجسم تخفض من حركتها اليومية. هنا يحدث الالتباس. يتم وضع المسن في خانة المرض وينظر له بعين العطف والشفقة متناسين أن هذا الهدوء في حركة أعضاء الجسم جزء لا يتجزأ عند فئة المسنين.

قال تعالى في كتابه الكريم: "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً". يعمل الدماغ البشري بمنظومة مازال العلم يكشف عن القليل منها فقط.

دماغ المسن فيه خبرات وتجارب لا متناهية، من ناحية يساعد هذا في تكوين رجاحة عقل وحكمة في تناول أمور الحياة لكن من ناحية ثانية تتحرك عاطفة المسن باتجاه العودة للطفولة، وتبدأ المتعة، عناد هنا وبكاء هناك وغضب طفولي في أمر وفرحة بريئة في أمر آخر. وليس هناك أفضل من الرحمة معهم في تناول هذه اليوميات والأحداث.

في السنوات الأخيرة بدأت الكثير من الدول في سباق محموم للحفاظ على كبارها وتوفير افضل سبل الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهم، فوجودهم في صحة وعافية يساعد دمجهم في المجتمع بفعالية. ومن أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف هو التركيز على مبدأ إعادة التأهيل. فهناك الذي أصيب بالجلطة الدماغية وهنا الذي دخل في نفق الاكتئاب وهلم جرا.

المشكلة في مجتمعاتنا العربية وضع ختم "انتهت الصلاحية" عند دخول الفرد لفئة كبار السن متناسين ان الصلاحية مرتبطة بقدرة العقل على العطاء وليس بالسن، فهناك الكثير من الشباب منتهو الصلاحية رغم بروز عضلات أجسامهم.

إعادة التأهيل تضمن وضع كبير السن في المسار الصحيح وتفعيل بدنه وروحه بشكل إيجابي. وهنا اذكر تجربة فريدة من نوعها ألا وهي " استراحة الشواب"، مركز يعنى بالمسنين في إمارة دبي، حيث يقدم المركز مجموعة متنوعة من الخدمات الصحية والاجتماعية والنفسية والطبية والعلاج الطبيعي والتأهيلي وتنمية القدرات بالإضافة إلى تقديم الغذاء والنظافة الشخصية لكبار السن.

والذي يميز هو توفير هذه الخدمات في الصباح فقط وإعادة المسن لمنزله في الليل. هذا التوازن يضمن عدم انسلاخ كبير السن عن محيطه وفي نفس الوقت تسليحه بالوسائل المناسبة للحفاظ على استقلاليته وعدم الاعتماد على الغير.

من الأمراض الشائعة عند كبار السن هي كسر عنق عظمة الفخذ، عوامل عديدة تساعد في تعرض المسن للسقوط وحدوث الإصابة لكن أهم عامل هو عدم توفر البيئة المنزلية المناسبة لحركة كبير السن. فمن انعدام الزلاقات إلى وجود الديكورات الأرضية وصولاً إلى بيت راحة غير مجهز، صحيح أن وجود الابن أو البنت لمساعدة شيبتهم مهم وجيد لكن توفير البيئة المناسبة لإبقاء المسن قادراً على الاعتماد على نفسه جزء لا يتجزأ من إعادة التأهيل.

ظاهرة أخرى يصاب بها الكثير من المسنين نتيجة لقلة الحركة والبقاء في الفراش لساعات وساعات وهي قروح الانضغاط.

فبسبب تعرض عضلات الفخذ الخلفية للضغط المستمر على السرير تبدأ خلايا الجلد في التكسر وتتآكل المنطقة حتى تتقرح وتصل في أحيان كثيرة لعظم الفخذ الذي ينكشف ويتعرض للعدوى البكتيرية. مرة أخرى يأتي دور إعادة التأهيل وتدريب المسن على كيفية التقلب الدوري على الفراش وتأكيد ذلك على مقدمي الرعاية من أفراد العائلة.

مرحلة متى ما توفر فيها قليل من الصبر وكثير من الرحمة ستكون النتيجة "شيخوخة صحية".

 

Email