وماذا بعد يا مصر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أياً كانت نتيجة حكم الإخوان في مصر على مدى عام واحد، وأياً كانت النهاية المأساوية التي وصلوا إليها بسبب قلة خبرتهم في إدارة أمور البلاد والسياسة، وأياً كان الاختلاف على البداية والنهاية، إلا أن على الشعب المصري أن يقرر اليوم أن يكون أو لا يكون.

القضية ليست مسألة من يحكم مصر، ولكن كيف تُحكم مصر؟ وليست مسألة الانتقام لـكرامة رئيس أهين بطريقة تدعو إلى الشفقة، ولكنها قضية مستقبل 90 مليون اختلفت آراؤهم وأهواؤهم واختاروا أن يصححوا الخطأ

ونحن لسنا مع ما قيل ولا نعرف إن كان صحيحاً أم مفترياً عن وصف عمرو بن العاص لشعب مصر حين قال عنهم «نساؤهم لعب ورجالهم مع من غلب يجمعهم الدف وتفرقهم العصى»، وكيف نقبل وصف عمرو بن العاص ونحن نرى مصر تشع ثقافة وعلماً رجالاً ونساء لتصبح مركزاً لكافة العرب وغير العرب ينهلون من ثقافتها وعلمها وأدبها وتراثها.

لكنه شعب وقع في إشكالية الموقع الجغرافي بما فيه من أرض خصبة ومركز متميز يتربع على ساحل البحر المتوسط في مثلث يجمع بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وبما فيه من نهر النيل العظيم الذي لا ينضب.

 ووقع على كاهل الشعب المصري مرة ثانية حماية حمل الإرث الحضاري منذ زمن الفراعنة الذي يمتد إلى خمسة آلاف عام مضت، تاركاً من آثاره ما أبهر العالم، وتناهبته الجيوش المحتلة، وأثار ضغينة بعض الشعوب التي ليس لها من نصيبه شيء يذكر، فكثر الحاسدون والحاقدون على شعب مصر، وكان لذلك ثمن دفعته مصر على تاريخها الطويل من الصراع والحروب والمعارك حتى يومنا هذا.

مصر بكل ماضيها لا يمكن أن تسقط بإرثها ورجالها ونسائها أمام سقوط رجل واحد، وفشل حزب واحد، وهزيمة سياسة لم تثبت جدارتها في وقت يعد فيه اليوم بألف يوم والسنة بألف سنة أمام الاكتشافات المتواصلة والتطورات العلمية المتلاحقة، وحيث إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، فعلينا أن نعترف بأن النظام الذي ورث حكم مبارك (دون أن نسميه نظام الإخوان أو غيره فكلهم مصريون لمصر) لم يثبت هذا النظام بأنه قادر على أن يعيش عصره أو يتأقلم مع تطور العالم من حوله وبدلاً عن ذلك، غرق في مهاترات وجدالات لفظية وتهديدية وتخوينية وتكفيرية وشجع على إثارة الفتن الطائفية وسفك الدماء والتمثيل بالجثث، بما يخرجه عن خلق الإسلام الذي استغله هذا النظام على مبدأ كلمة حق يراد بها باطل، فكان لا بد أن يرحل، عندما ثار الشعب عليه كما ثار على من قبله فقرر الرحيل.

اليوم، المصريون مطالبون برفض العودة إلى مهاترات وأخطاء الماضي، سواء ممن كانوا مع النظام الذي سقط أو الذي سقط قبله أو الذي جاء بعدهما. اليوم، المصريون جميعاً بكافة أطيافهم، عليهم أن يراجعوا ما حققته صناعات الغرب، وأن يدرسوا جوهر ديمقراطية الغرب وكيفية تنظيمه لاقتصاده ومجتمعه وبنيته التحتية والفوقية، وأن يقارنوا بين غيرة الغرب على وحدته وتراصه وبين تفرقنا ومناوشاتنا على كرسي رئاسة ومعاركنا على منصب رئيس قسم.

لا يجب أن يلتفت المصريون إلى الخلف، لسبب بسيط، وهو أن أمامهم اليوم الكثير من الحفر التي لا ترى وهم بالكاد يخرجون من ليل قاتم، فعليهم أن ينيروا الطريق أمامهم بعقولهم وحكمتهم وتضحياتهم.

رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي قال أكثر من مرة: " إذا كنا في هذه الدولة نستقل سفينة واحدة هي سفينة الاتحاد.. فعلينا جميعاً أن نعمل على تحقيق سلامتها حتى تستمر مسيرتها وتصل إلى بر الأمان ولا يجوز أن نسمح بأي تهاون يعوق هذه المسيرة لأن نجاة هذه السفينة نجاة لنا .. وإذا فرض أن هناك من يحاولون إتلاف هذه السفينة فهل نسكت على ذلك، أبداً بالطبع، لأنها إذا

غرقت فلا أحد يضمن السلام لنا".

Email